الاثنين، 9 مارس 2009

رؤيتك حول الحياة المعاصرة


طلب منا أن نكتب مقالا عن رؤيتنا حول الحياة المعاصرة، وقبل أن أشرع في ذلك قفز إلى مقدمة عقلي تساؤل شغل تفكيري لوهلة، هل يمكن للإنسان العادي أن يبني نظرة شاملة ودقيقة لهذه الحياة ذات الخيوط المتشابكة والمعقدة تعقيدا عظيما، حيث التقنية أرخت سدولها على العالم أجمع بأمواج من المخترعات والآلات، والتي غيرت من وجه الأرض بوتيرة سريعة تفقد المرء أنفاسه وتتركه لاهثا مذهولا، حيث المادة وحب السيطرة أنشبا رماحهما في قلوب الخلق فغدوا لا يبالون كم من الدماء ستذرف وكم من الأرواح ستزهق في سبيل ذلك؟ لا أدري حقا إن كانت الإجابة ممكنة، ولكن إليكم هذه الخطرات.
إن كان الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى يرى أنه من يعش ثمانين عاما من أعوام زمانه لا بد أن يمل ويسأم، فإني أرى أن زماننا أقفل على السأم والملل في إحدى زواياه المقفرة، فلو أنه لم يكن لنا من مخترعات هذا العصر إلا شبكة الإنترنت التي تربط بين المشرقين والمغربين ربطا سريعا لكفى، فكيف وإنسان هذا العصر أبحر في الفضاء وغدا يستقصي أخبار المجرات البعيدة، وما هذا إلا قطرة من غيث، فأنى للمرء أن يصاب بالملل وسط هذه المعمعة التي لا تهدأ أركانها، وفي كل يوم تخرج علينا بثوب جديد، حتى أمسى العالم مكتظا بأنواع شتى من المذاهب والنظريات والأفكار والمخترعات والتي تعرض علينا كل عشية وضحاها، وأصبح عقل الإنسان غابة متنوعة الأشجار ومتشابكة الأغصان.أن يكون الشخص آمنا في سربه، معافى في جسده، مكتفيا بقوت يومه أمر مثالي جميل، ولكن حياتنا المعاصرة لن تسمح للمرء أن يقتصر على ذلك، ليس لأن القناعة أضحت خلقا مرفوضا، بل لأن هناك عشرات الفواتير ينتظرها المرء في نهاية الشهر، ولأنك إن أردت بدء تجارة فعليك أن تمر بمراحل عديدة، وأن تجهز حزمة من الملفات والأوراق، ولأنك إن أردت الحج لن تسم باسم الله وتركب ناقتك وتنطلق، بل عليك أن تنال رضا وزارة الصحة والأوقاف والشرطة والبلديات، أصبحت الحياة معقدة، وما زادها تعقيدا هذا التغير والتطور السريع الهائل، فما من شيء في زماننا يألفه الفتى حتى تأتيه الأخبار من كل حدب وصوب أنه أضحى عتيقا باليا، ووسائل الإعلام لا تقل خطرا ومنزلة في تعقيد حياتنا، وقلب الموازين رأسا على عقب، حيث أضحى القاتل بطلا، والمنسلخ عن هويته وعن ذاته مجددا، والمدمر لتراث أمته إصلاحيا متقدما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق