الخميس، 12 نوفمبر 2009

حق تقرير المصير، تساؤلات!!

أتساءل دوما حول هذه العبارة التي تتكرر دوما هنا وهناك، ويستخدمها الطرف ونقيضه في الدفاع عن قضية ما أو دفعها، ما هو المعنى الحقيقي خلف هذه العبارة؟ وكيف تتحكم زمرة من الناس في مصائر غيرهم؟ هل هذا الأمر حقيقي أم هو نسيج تصورات البعض؟ لو نظرنا إلى أسوأ الحالات وأعنفها حيث يسجن المرء وتنتهك حريته ويقيد، هل يعني ذلك أنه فقد حق تقرير مصيره، وأن حياته انتهت؟ وهل هناك فرق بين أن يحيا المرء حياته وبين أن يملك حق تقرير مصيره؟ ربما تبدو تساؤلاتي عشوائية، ربما غير منطقية، ربما ...

هل إن ملكت الحرية لأفعل ما يحلو لي فهذا يعني أني قد ملكت حق تقرير مصيري؟ وهل نستطيع أن نعد الجاهل والعامي والأمي والفقير الأحرار مالكين حق تقرير مصيرهم؟ وهل يوجد هناك أشخاص يضعون خططا ليوجهوا مصائر الناس في الاتجاه الذي يناسب خططهم؟ وهل ذلك ممكن تحقيقه؟ هل المصير بضاعة تنتج في مصنع وتمر عليه سلسلة من العمليات؟ هل مؤامرات التحكم في مصائر الآخرين تحدث في الخفاء وتنطلي على الشعوب المختلفة دون أن ينتبه لها أحد؟ هل هذا ممكن حصوله؟ هل نحن دمى في أيدي البعض أم أننا ملوكا لأنفسنا خانتنا الظروف أم نحن مجرد ...


السبت، 18 يوليو 2009

حب الرسول صلى الله عليه وسلم

حب الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب على كل مؤمن صادق الإيمان، مطيع للرحمن، متبع للقرآن، وهذا الحب لا بد أن يتملك شغاف قلب المسلم حتى يسيطر على جميع نواياه وأقواله وأفعاله فتأتي مطابقة لسنة الحبيب المصطفى، سائرة على خطاها، مهتدية بهداها، مستنيرة بأنوار حكمتها، ولذا كان من الطبيعي أن يتصدى هذا المسلم لأية أذية يتعرض لها حبيبه ونور عينيه النبي المختار، وأن يتجشم عناء نصرته والدفاع عنه دفاعا مستميتا، ولكن السؤال يبقى كيف يتم ذلك؟ وما هي الطريق المثلى لتحقيق هذا الهدف السامي النبيل؟ وأي الطرق أشد فاعلية وأنجع تأثيرا وأعظم نتيجة؟ أهي الثورات والمظاهرات والحركات ، الانفعالية التي لم تتحرك إلا حين ضربت ضربة قصمت فقار ظهرها وحين تحركت كان تحركها فوضويا غير مدروسا ولا يتبع أي نظام ومنهجية، ثم لم يلبث أن خفت وإنطفأت ناره، وعاد كل فرد إلى حياته السقيمة التي يحياها، أم أن الطريقة المثلى هي الطريقة المنهجية المنظمة القائمة على العقل والفكر والحزم المستمدة أفكارها وخطواتها من القرآن والسنة، والمتحركة في خط مستقيم مستمر لا يعرف الكلل ولا الملل، ولا يستجيب لاستفزازات الآخرين وإهاناتهم، بل ويتحملها ويواصل طريقه دون أن يلتفت لنعيق ناعق، ولا لصوت حاقد مكابر، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحكمته في التعامل مع المشركين حين كان في مكة لنا أفضل درس وأبلغ عبرة، كان يأمر العبيد المعذبين الذين يفتنون في دينهم بالصبر والتحمل ولهم الجنة، وكان يشجع أصحابه لشراء هؤلاء العبيد وإعتاقهم ما أمكن، وكان يأمرهم بالصبر وانتظار أمر الله، لأن المسلمين كانوا في حال ضعف كما هو حالهم الآن، فكانت تلك هي الطريقة المثلى للتعامل مع مثل تلك المواقف، فضبط المسلم نفسه أولا ومراقبتها وتطويعها لتطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الخطوة الأولى للرد على مثل هذه الاستفزازت التي لا هدف لها سوى إشغالنا عن قضايانا المصيرية، ثم يتجه إلى أهله ومجتمعه الأقرب فالأقرب ينشر بينهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم ويدعوهم لنهج سيرته واتباع سنته، ثم فليعمل عقله ولسانه ويديه في خدمة حبيبه المصطفى بكل طاقته وبكل السبل المتاحة من دعوة أو كتابة في جرائد أو مواقع، ومن إقامة المحاضرات والندوات المنظمة، ولندع الظلمة في غيهم يسبرون، فسيأتيهم يوم فيه من عروشهم الوهمية يسقطون، وكما استبدل الله غيرهم بقوم ليسوا أمثالهم سيأتي دهر فيه يستبدلون .

الأربعاء، 8 يوليو 2009

من أكثر خيانة؟

الكل يخون، نعم الكل يخون
ولكن البعض يخون وهو يدري بخيانته ويعنيها
فالخيانة تسبح بحرية في دمائه
وهو يرعاها بكل ثقة ويربيها
والبعض لا يدري أو لا يريد أن يدري
بأنه من ثدي الخيانة يرضع
ثم بما رضعه منها يعود ويسقيها
بل تراه يبتاع مرهم الطهارة المزيف
ليخفي من جسده قروح الخيانة
ليخدع من حوله
وليته توقف وفكر
ليرى حقيقة من الذي يخدع
وعلى أية روح ستعود نار الخيانة
لتحرقها بلا رحمة وتشويها
هناك وهناك وأيضا هناك
أرى الخيانة مكشرة أنيابها
تترقب أن يؤتى لها بلحوم المخدوع
لتفريها بأسنانها، وتلوكها ثم ترميها
وتساءلت أيهم أكثر خيانة
من يتعمدها، أم من بطرق ملتوية يأتيها
أم من يشاهد كل ذلك ويدعي أنه لا يرى شيئا
لأن الله لم يعم عينيه فقط بل روحه وحواشيها

جريمة في قاعة الانتظار

أحمد السابعي

أوقف سالم سيارته في مواقف المؤسسة ودخل من الباب الزجاجي الدوار، وكان يزعج باله وقت الدخول مشهد سيارة الإسعاف التي لمحها قبل لحظات مغادرة بوابة المؤسسة، لكنه صرف ذلك من تفكيره فورا وتوجه نحو قاعة الانتظار وأخذ كرسيا بهدوء منتظرا دوره بكل أدب، لم يكن هناك أحد ينتظر، لا أحد، هكذا خيل له، لكنه بعد مرور ساعة من الزمن انتبه إلى وجود شخص آخر غيره قابعا في إحدى زاويا القاعة، كان ذاك الشخص غاضبا قد احمر وجهه من شدة الغضب، عاصرا ركبتيه بأصابع كفيه المنتفضتين، ينفث من مناخيره المتورمة هواء مسموما ويُخرج من بين أسنانه المصطكة فحيحا مزعجا، استغرب سالم كيف أنه لم ينتبه إلى وجود مثل هذه الآفة خلفه، ثم ما لبث ذاك الشخص أن بدأ يتأوه ويتأفف ويزمجر، ثم شرع يتمتم بكلمات غير مفهومة وهو يهز رأسه ذات اليمين وذات الشمال، ثم نهض من مقعده بقوة وكأن ظهره قد كان ملصقا بالكرسي بغراء شديد، وأخذ يضرب الأرض برجليه ويترنح كالمخبول في أرجاء قاعة الانتظار، ثم توجه إلى طاولة الاستقبال وخبطها خبطة عنيفة بيديه صارخا ومهددا ولاعنا، ولكن سالم بقي ينظر ولا يحرك ساكنا بل حتى لم يوجه لهذا الشخص نظرة عتاب، وتصرف وكأن الأمر لا يعنيه البتة.

استمر الرجل يكيل الضربات والركلات للطاولة المسكينة، حاول أن يتسلق الطاولة ليصل إلى الجانب الآخر، ولكن حال ارتفاع الطاولة وسطحها الزلق وعرج في رجله اليمنى دون تحقيق غايته، لم يكن هناك منفذ آخر إلى ما خلف الطاولة من قاعة الانتظار، أجال الشخص نظره في الجدران الأربعة متفحصا وقرر فجأة أن يخرج من القاعة، غاب لدقائق بسيطة ثم عاد في حالة أسوأ من قبل، يلهث لهاث الكلب المسعور ومقلتاه بارزتان خارج محجريهما، مليئتان بالدمع الأحمر، وبأصابع يديه المعقوفتين أخذ ينهش الطاولة بهستيرية مسببا صوتا حادا لعينا يغرز في أعماق النفس شعورا يشبه طعن رؤوس السكاكين، هنا لم يستطع سالم أن يحتمل الوضع وغمرته موجة عارمة من الضيق وعدم الارتياح وأطلق زفرة مفادها "متى يسلموني أوراقي ويفكوني من هذا المخبول"، ثم هدأ الرجل هدوء ما قبل العاصفة ليخر إلى الأرض على يديه وركبتيه، وما لبث حتى أخذ يشهق شهيق المقبل على الموت وانخرط في زوبعة من الصيحات الممزوجة ببكاء شبيه ببكاء الطفل عند فقدانه للعبته المفضلة، وأخذ يصفع وجهه بكفيه ثم ينهشه بأظفاره حتى سال الدم على خديه، هنا فقط وقف سالم منتصبا وبيده اليمنى ملوحا إياها في الهواء صرخ ناحية الرجل: كفى يا هذا، قلت كفى.

وهن صوت صياح الرجل وهدأت حركة صدره الترددية قليلا، ثم أخذ يلتفت ببطء ناحية سالم، وحينما أضحى مقابلا إياه رفع وجهه ونظر إليه بعينين عميقتين لا غور لهما مليئتين بشتى المعاني المتناقضة، يدوران في محجريهما يبعثان الرغبة في التقيؤ واستقرا في مقلتي سالم، وكأن موجة أثيرية عظيمة انطلقت من تلك العينين لتخترقا قلبه وتلقياه على كرسيه مذهولا، غاب وعيه عن العالم الخارجي ولم يدر كم مضى من الوقت، وعندما انتبه لم يجد الرجل في مكانه، ركض ناحية الباب وأخذ يبحث عنه ولكنه لم يجد له أثرا، ثارت الشكوك في نفسه توجه نحو البوابة الرئيسية، وسأل الحارس إذا ما رأى رجلا في حالة يرثى لها يخرج قبل قليل، فرد عليه الحارس بالنفي، حك رأسه مستغربا ثم سأل الحارس إذا ما خرجت سيارة إسعاف قبل قليل، تبسم الحارس وقال لم تدخل سيارة إسعاف إلى هذه المؤسسة منذ أن بدأت بالعمل هنا قبل عشر سنوات، أوجس سالم في نفسه خيفة، حاول أن يقنع نفسه بأن ذاك كان حلما فظيعا إلا أن الريبة والارتباك بدأ يأكلانه من الداخل كما تأكل النار الهشيم، أراد الخروج والفرار بجلده، ولكن الأوراق مهمة، نعم مهمة لا يمكن أن يرجع وقد وصل إلى هذه المرحلة، وعاد ليقبع في إحدى زوايا القاعة مهدودا، وكان يضغط بأصابعه على ركبتيه عندما دخل صالح إلى قاعة الانتظار غير منتبها كالعادة.

قصة خيالية

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

تحقيق الذات ؟

هل من الضروري أن يحقق الإنسان ذاته؟ وكيف يتم ذلك؟ وهل وقع أن حقق أي إنسان ذاته؟ وما المقصود بالذات هنا؟ هل هي الآمال والأحلام؟ هل هي الإنجازات؟ وما نوع هذه الإنجازات؟ وكم إنجاز ينبغي أن يتحقق حتى يحقق المرء ذاته؟ وهل الشعور بالنقص تجاه الذات عندما يرى الإنسان أقرانه قد تفوقوا عليه في مجال ما هو أمر طبيعي؟ وهل من المعقول أن يسعى الإنسان للتفوق لأجل التفوق لا غير؟ ولم يشعر البعض بأنه مقصر وأنه يجري في الحياة بلا هدف رغم أنه حقق إنجازات قد لايراها هو عظيمة ولكنها عند المقارنة بغيرها يمكننا أن نعدها نجاحا منقطع النظير؟ لم يقاس التفوق بمقياس الغير لا بمقياس الذات؟ لم لا نعد الإنسان العادي ذي المرتب البسيط الذي ربى عشرة أبناء متفوقا؟ بل لم لا نعد الشخص الذي توفي دون أبناء أو مال وفي الوقت ذاته دون أية ديون أو حقوق عليه لغيره متفوقا؟
هل تحقيق الذات مرهون بالتفوق على الغير أم أن الإنسان قد يتمكن من تحقيق ذاته دون أن يتفوق على أي أحد؟ أليست مطالبة الإنسان بأن يكون مثل غيره لا أن يبحث عن ذاته الحقيقية أمر منهك ومرهق للقوى ومضيعة للوقت؟ أسئلة مرت بخاطري أردت مشاركتكم بها.

السبت، 30 مايو 2009

قرأت مؤخرا: وأخيرا استيقظ الدب

هذه المجموعة القصصية الرائعة أثارت في شجونا عديدة أثناء قراءتها، نجح الفارسي وبجدارة في لفت انتباه الإنسان العماني الذي يصعب إثارة انتباهه ليرى في المرآة صورة مختلفة عما ألفه من مجتمعه، حسب رأيي، والاختلاف في الصورة لا يكمن في موضوعها بل في طريقة عرضها وحبكتها وإضافة عناصر الخيال والتشويق والإثارة فيها ما يجعلك تندمج وتسبح في بحر من التأملات أو إن لم أبالغ يجعلك تعيد بعض الحسابات:

المستثمر:
خليل موظف متقاعد، جمع بعد سنين طويلة مبلغا من المال وضعه في البنك حيطة لمقبل الأيام، ولكن تناهى إلى سمعه من صديقه حسن عن فرصة استثمار مربحة يقدمها "البانيان" في ولايتهم "شناص"، وبعد نقاش طويل وأخذ ورد وتفكير، وبعد تهديد من زوجة خليل له أنه إن شارك في الموضوع فإنها ستنسحب إلى بيت أهلها، قرر خليل خلسة دون علم زوجته أن يشارك بكل ماله في هذا الاستثمار.
وهنا تبدأ الحبكة ويبدأ عبدالعزيز الفارسي يصور لك معاناة هذا الشخص العجوز الخائف من فقدان ماله ومن أن يهرب البانيان به، حيث تبدأ تصرفاته تنحو منحى غريبا وبدأ يصاب بالهوس يقضي الأيام والليالي الطويلة مراقبا البانيان من المقهى أو من امام الحصن مهملا أسرته وبيته وحتى صحته حتى سقط مغشيا في يوم من الأيام ولم تمض فترة حتى أصيب بالتجلط ومات!!!

قصة رائعة بكل ما للكلمة من معنى.
وهكذا معظم قصص الكتاب يسلك فيها كاتبنا المسلك الدرامي والفكاهي أحيانا جامعا المعاناة مع السخرية في قالب رائع ينم عن مقدرة متميزة أنصح الجميع بقراءة الكتاب، وقد أقدم لاحقا ملخصا عن باقي القصص.

السبت، 16 مايو 2009

سأكتب حتى يعود الجميل



سأكتب
وأظل أكتب
حتى ينزف قلمي ماءً
يغور في رحم المستحيل
ثم أنفخ فيه من روحي
لتنبت قصيدةٌ زمردية
تتناسل منها نطف آمالي
لتحيا في سماء الحلم الأكبر
وتطير في رحابها الواسعة
وتشب في الهضاب الخضراء
فراشةً بعيدة المنال

سأكتب
من غزل روحي أنسجة
تعوم نوافذها في الهواء الحر
وتتشرب خيوطها بالماء المجلوب
من ينابيع الكرامة
وحينها
سأنشرها فوق سماء الحياة
لأعصر مكنوناتها على
الأرض الدامعة
لتلتقي المياه
على أمر قد قدر
سأكتب
حتى يعود الجميل المفقود
في صحاري تيهنا
إلى ديارنا المتعفنة بهواء القبح،
حتى يعود مرة أخرى
إلينا
طفلا بريئا يمسح
لحية رجل عجوز
بسعادة
دون أن يدرك أنه عما قريب
سيفارق الحياة
ليعود إليها
سأكتب رضا وقسرا
لا ألوي شيئا
ولا أرى أمامي إلا
نفقا طويلا مظلما
ممتلئا بالأشواك
وممتدا إلى القارة البعيدة
التي نزحت عنا
أو نحن الذين دفعناها
لا أحد يعترف
لكني سأكتب لأبني
من الأرواح المتنافرة جسرا
سأكتب وأظل أكتب

الثلاثاء، 12 مايو 2009

جبل شمس

هذه محاولة بسيطة لترجمة قصيدة للشاعر أحمد العبري إلى اللغة الإنجليزية، أتمنى أن تنال إعجابكم، وأن أتلقى تعليقاتكم

أرى جبلا نديا بالضيافة
بقمته ارى شمسا مضافة
أرى في سفحه الحمراء تروي
حكايا الورد إذ مل التفافه
ذروني في مرابعها وليدا
أنال بحضنها أحلى ارتشافة
فنهر مد في بصري ضفافا
يذكرني بجسر والرصافة
يمر بي النسيم والخفايا
يحدثني بأسرار اللطافة
كأني إذ غرفت به شرابا
كبستاني يناولني قطافه
ورب أخ سقاك بفضل جود
تعلم من سواقيه الضيافة


الترجمة:

Jabal Shames is a generous mountain,
renowned by its hospitality.
In the summit, the sun itself is its guest.
In the bottom, Al Hamra'a
is narrating tales of roses.
And, I wish to be a child
playing in its grounds, and
sipping a sweet mouthful from
its wide rivers.
When I am there,
I am surrounded by the breeze
telling me its secrets,
and a gardener
is handing me over
the fruit of his generosity.

السبت، 2 مايو 2009

حلة بني غدانة

حلة بني غدانة هي القرية التي نشأت أنا وعائلتي فيها، إحدى القرى الجميلة في ولاية السويق، التي تحيط بها مزارع النخيل الحية منها والميتة، توجد في ولاية السويق عدة مناطق تعرف باسم الخضراء، منها خضراء الساحل وخضراء آل بورشيد، وخضراء آل سعد وهي أكبرهن وأكثرهن نفوذا في السابق لكون آل سعد هم الشيوخ في معظم التجمعات السكنية في ولاية السويق، وحلة بني غدانة هي إحدى الحلل التابعة لخضراء آل سعد بالإضافة إلى حلة السوابع والعابية (تعني الأرض الفضاء)، وغيرها من الحلل، ورغم أننا من قبيلة السوابع إلا أن أبا جدي حميد انتقل للعيش في حلة بني غدانة والتي تعرف سابقا بحلة الغدانات، وغيرت لأسباب يعرفها أهل القبيلة.
تقع حلة بني غدانة مباشرة غرب دوار الخضراء المبني حديثا، يحدها من الجنوب الشارع العام، ومن الشمال شريط من المزارع يمتد إلى القرى الساحلية (الرديدة وخضراء آل بورشيد)، ومن الغرب حلة المخطم التابعة لخضراء آل بورشيد، ومن الشرق شعبة (واد صغير) تفصل بينها وبين حلة السوابع، ورغم أن هذا التقسيم غير دقيق ومتداخل مع عوامل جغرافية وسكانية أخرى، إلا أنه يعطي صورة عامة عن المكان.
إن بدأنا في وصف الحلة من الزوايا ومنها إلى المركز، فسنجد أن الزاوية الشرقية الجنوبية تحتلها مزارع وبيوت ومحلات لبعض الأسر من قبيلة الغدانيين، مع وجود بعض البيوت المؤجرة لوافدين من جنسيات مختلفة، وإن عرجت متقصيا الحدود الجنوبية حتى تصل إلى الزاوية الجنوبية الغربية، فستمر على سلسلة من المحلات والأحواش التي يملكها أهل الحلة، مع بروز البنايات الحديثة في الآونة الأخيرة، وأما في الزواية الغربية الجنوبية فهناك عيادة طبية وبيوت ومزارع للغدانيين أيضا، ولكن إن دخلت قليلا متجها نحو مركز الحلة، فستمر على تكتل من البيوت لأسر من قبيلة المساعيد، وبعض البيوت لأسر من قبيلة آل سعد.
أما في الزاوية الغربية الشمالية فتوجد بيوت عديدة لأسر متقاربة في النسب من قبيلة الرواجح وبيت من قبيلة الغافري وبيت لسعديين، وتحيط بهم مزارعهم، وأما في الزاوية الشرقية الشمالية فتوجد حلبة المناطح والتي تستخدم في مناطحة الثيران، ومكان نسميه: الزمط، وهو عبارة عن أعمدة نخيل ركبت أعلى بئر ماء، وعلق على الأعمدة عجلة يطلق عليها المنجور، ويتصل بالمنجور حبل أحد طرفيه مربوط بقربة الماء التي في البئر والطرف الآخر في أيدي الحاضرين من أهالي القرية والذين يقومون بسحب ذلك الحبل ليصدر المنجور سلسلة من الأصوات المتغايرة من منجور إلى آخر، ولا أدري ما هي الأسس المعتمدة، لكن المناجير تباع بأسعار مختلفة حسب قوة وحدة الأصوات التي تصدرها، وكان يوجد في القرية نجار متخصص في صناعة هذه المناجير.
(إضافة تاريخ 15-9-2010) حسب الفاضل علي الغداني فإن حدود الحلة تمتد جنوبا إلى خط الغاز (قديما) ولكن حاليا لا يوجد هناك سوى مقبرة الحلة وبعض المزارع والأراضي الفضاء، رغم أن هناك منازل حديثة بدأت حاليا بالظهور.
ويوجد في الحلة مسجدين، مسجد في الغرب ومسجد في الشرق، كل مسجد يسير شؤونه أسرة غدانية تنحدر من جد مختلف، وكان والدي -رحمه الله- يعمل إماما في المسجد الغربي لأربعين عاما، ثم عمل إمام في المسجد الشرقي والذي يصلى فيه الجمعة لبقية حياته.
وأما الناحية الشمالية فليس هناك إلا المزارع المتصلة المعتمدة على نظام الري التقليدي: الطويان (الآبار) والسواقي، مع ظهور بعض نظم الزراعة الحديثة في الآونة الأخيرة، وحسب تقديراتي الجغرافية فإن منزلنا نحن إحدى العائلتين السابعيتين الوحيدتين هناك يقع في مركز القرية، فالطريق التي تخترق القرية من الشرق إلى الغرب، تتقاطع في منتصفها مع منتصف الطريق التي تخترق القرية من الشمال إلى الجنوب خلف منزلنا مباشرة، وهذه معلومة جغرافية بحتة، لا تحمل أية إيحاءات ضمنية.

الخميس، 23 أبريل 2009

لو كنت مكاني، ماذا كنت صانع؟

كنت في محل حواسيب، وإحدى ممراته ضيقة لا تتسع إلا لشخص، وكنت مستعجلا، وهناك امرأة يبدو عليها الشرود، تمنع انسياب الطريق، قلت لها (بصورة مفاجئة قليلا!): لو سمحت، طريق، ارتبكت المسكينة ورجعت للخلف، واصطدمت بصندوق لم تلاحظه، وسقطت عليه، اعتذرت لها بشدة وغادرت مبتسما؛ لأن ذاك مشهد لا ترى مثله كل يوم.

بعدها قمت أسأل نفسي: لم لم تساعدها، لو تصرفت بسرعة وأمسكتها من مرفقها، كان هناك احتمال، بأن أحفظ ماء وجهها، وأحميها من السقوط، ولكني لم أفعل شيئا، ووجدت نفسي في تلك الثواني المعدودة، أراجع كل ملفات العادات والتقاليد والمحظورات العرفية والشرعية.

المثير في هذه القضية أني أرسلت الحادثة لعدد من أصدقائي، وسألتهم:

لو كنتم مكاني، ماذا كنتم صانعين؟

وكانت الإجابات متنوعة وغريبة:

1- بالطبع سأساعدها آخذها في الأحضان !!! هذا شخص عقله مشوش، لم يفهم الغرض من رسالتي، ولكنه يمزح لأنه لن يجرؤ على القيام بذلك، فهو متزوج!!

2- كيف هذه الفتاة؟ هل هي حسناء؟ ؟؟؟
يعتمد على قربي وبعدي عنها، إذا كانت بعيدة فالأمر مختلف. !!
شخصيا قد تصدر مني حركة سريعة تلقائية في مثل هذه المواقف، وقد أساعد، إلا أنني لا أستطيع أن أعطيك إجابتي، فأنا لم أعش التجربة بعد.

هذه ثلاث رسائل من شخص واحد توضح عدم مقدرته على التعبير بصراحة عن كيف سيتصرف في هذا الموقف

3- لكل مقام مقال. (خير الكلام ما قل ودل).

4- لو عنك أزيدها بشوتة روحها ما صالبة عمرها. (هذا عنيف، ويمكن يمزح، ويمكن جاد، على العموم وجب الحذر منه)

5- يحتاج أشوف بنفسي وبعدين أحكم.

6- دائما مواقفك غريبة، لم لا كان من المفترض أن تمنعها من السقوط، لكن المشكلة إذا كانت متزوجة، سألتها إذا كانت متزوجة ولا لا؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
الله يهديك، لين أسألها تواحي الحرمة شبعانة سقوط وطيحان.

7- قد أساعدها بحركة لا إرادية، ولكن من شدة تأسفي طبعا.

(الكل يريد أن يسعد بحركة لا إرادية، وما العيب في الحركة الإرادية؟؟؟)

8- والله، الموقف صعب، بس ما أعتقد أنه ما توصل بي الجرأة لين أمسكها عن السقوط.

9- قول الحمد لله أنك ما قتلت البنت، وأما عن رأيي فحسب المكان.

هذه هي الردود، وفي رأيي يمكن من خلالها إجراء دراسة اجتماعية، عن ردود أفعال الأشخاص في مثل هذه المواقف، وطبعا كان المستفيد الأكبر من القضية عمانتل.

ولكن سؤال المليون ريال: إذا كانت الوضعية بالعكس، حيث المار امرأة، والذي يسقط هو الرجل. كيف ستكون ردة الفعل.

والسؤال المهم: هل مناسب عرفا التحدث في هذه المواضيع؟

عزام على الفاضي !!

التقيت صدفة بزميلي الذي لم أره منذ فترة طويلة، ودخلنا في زوبعة من التراحيب العمانية المختلفة والأسئلة المتنوعة عن العلوم والأخبار والأحوال، وبعد أن هدأنا قليلا، وبدأت وتيرة الحديث بالانخفاض مؤذنة برغبة صاحبنا في الرحيل، قال لي كما كان أي عماني آخر في موقفه سيقول: تفضل أخي معنا، سنفطر معا (كان الوقت رمضان)، ولأني لم أحدد المسجد الذي سأفطر فيه ذلك اليوم، (نكتة !) رأيت أن هذا السؤال فرصة لا تعوض، فقلت له مباشرة ودون تردد: تمام، لا توجد عندي أي التزامات، فتوسعت مقلتا صاحبي، وحدق في لبرهة، وتلعثم قائلا: أن..أنا أنا آسف، عندي التزام مهم حاليا، لا أبد أن أرجع أختي إلى البيت، فتلعثمت أنا أكثر: لا بأس أخي، مرة أخرى، ولم تأتي المرة الأخرى، بل أظنه لن يدعو أحدا بعد ذلك إلا إن تأكد أنه قادر على استضافته في ذلك الوقت.
ولملم صديقي نفسه بسرعة وانصرف، وقلت في نفسي: تو مو هذي الحالة.

والذي يرفع الضغط، أولئك الذين تبذل جهدك لترضيهم بأن تأكل لحد التخمة من موائدهم، وهم يصرون على أن تأكل المزيد، ويدفعون ذلك الدفع الشديد المبالغ فيه، لتأكل ولو على حد السيف، لدرجة أنك تقسم أنك لن تزورهم مرة أخرى، ولكنك مرة أخرى تزورهم، هذا أمر نفسي لا طاقة لي بتفسيره.

وبعد ارتفاع أسعار المشروبات الغازية من 100 بيسة إلى 150 بيسة، كنت في مقهى، واشتريت مشروبا وأعطيت البائع مئتين بيسة، ولم يرجع لي خمسين، بل أعطاني كيسة بطاطس عمان، فقلت في نفسي: ماذا أفعل بها؟، ورأيت جنبي طفلة لا تتجاوز السنتين يحملها والدها، فقربت البطاطس منها أريد أن أعطيها، فانتزعتها من يدي قبل أن أنطق بكلمة، وجمت للحظة، ولكن غمرتني سعادة، لا أدري سببها، ربما شعوري أن الجيل القادم سيترك هذا العزام على الفاضي.

السبت، 4 أبريل 2009

لا أريد أن أساعدك، وخلاص!!

- السلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته
- وعليكم السلام
- كيف الحال، يا بو الشباب
- الحمد لله، كيف أساعدك؟
- أنا أريد أسوي إعلان في الجريدة، عندي محل جديد مفتوح، وأريد أعلن عنه، عشان ...
- زين، قبض هذي الورقة، وعبيها، ويوم تخلص خبرني.
بعد دقائق ...
- تفضل، هذي الورقة وعبيناها.
- كلمة، كلمتين، ...، ست عشر كلمة، همممم، ادفع 9.600 بيسة
- حاليش 600 بيسة.
- كذاك القانون.
- القانون مرة وحدة، نزين ما نختلف، متى بتنشروا الإعلان؟
- يوم الاثنين.
- انزين اليوم هو الخميس، وحسب علمي أنكم تنشروا الإعلان بعد يومين يعني المفروض تنشروه يوم السبت.
- انته جيت متأخر، خلاص رفعنا إعلانات يوم السبت أمس لفريق التصميم، وقبل شوية رفعنا إعلانات يوم الأحد.
- انزين نشروه يوم الأحد، أنا زبون دائم معكم.
- ما يستوي الإعلان ينشر بعد يومين من التسليم، والجمعة محد يداوم.
- يا أخي، ساعدني شوية، عندي بضاعة جديدة، يعني ما يستوي ماشي زباين لين يوم الاثنين، حاول تنشره يوم الأحد.
- ما ينفع، فريق التصميم استلم الإعلانات.
- انزين، بعده ما يواحي صمم كل الإعلانات، وأنا إعلاني صغير، ما يزيد عن سطرين، لو سمحت ارفع السماعة واتصل فيهم، قولهم شي إعلان واحد في الطريق، وما يحتاج تعب عمرك، أنا بشله بنفسي.
- هين عايشين حن، ما ينفع يعني ما ينفع، هذا نظام، وأنت جاي آخر الدوام وبعدك تتشرط.
- أنا اتصلت بالبدالة، وقالو لي انه قسم الإعلانات يسكر وحدة ونص، والحين بعدهي وحدة وثلث.
- ليش ما جيت وحدة وتسع وعشرين دقيقة، ما أحسن كان!
- قبل شوية تقول نظام وقانون، ليش يوم تعلق الموضوع بالوقت ماشي نظام.
- انته المحتاج، وتعرف في أي معاملة لازم تجي بوقت كافي.
- كلنا محتاجين إلى الله، ويوم من الأيام بتوقع انته نفسك في نفس هذا الموقف، وبتحب راس الموظف عشان يمشي معاملة ضرورية.
- يا أخي أنا أريد أساعدك، لكن النظام ما يمكن نغيره.
- أنا ما طلبت منك تغير النظام، طلبت منك تساعدني، وتتصل في فريق التصميم يمكن يقبل إعلاني، بدل ما جالس تعاندني طول هالوقت.
- ما يمكن أتصل في الفريق، هو مشغول.
- قول ما تريد تساعدني.
- ما أريد أساعدك، خلاص.
وخرج المواطن وهو يتمتم غاضبا، وعاد الموظف إلى كومة أوراقه، يتنهد تنهدات طويلة ويتأفف.

الجمعة، 3 أبريل 2009

اشكر بعينيك

كنت في مطعم أتناول الغذاء، فأدهشني تصرف رجل عماني، نادى النادل باحترام، وقال له (لو سمحت) أحضر لي كذا وكذا، وعندما أحضر النادل ما طلبه، تناوله منه وقال له شكرا ولكن (من غير أن ينظر إليه).
حسب وجهة نظري المبدئية أن البعض منا في بيئتنا ونتيجة لتربية معينة لا يجيد التعبير عن امتنانه وتقديره وحبه للآخرين بطريقة مؤثرة، فنرى أن الأب يعبر عن حبه لولده بأسلوب (دفش) ومحرج للولد، ونجد الولد يعبر بطريقة (أسمينه الشيبة ما قصر)، أما أن يجلس الواحد منا مواجها لمن يقدره وبحبه وينظر في عينيه ونطق بصدق وإخلاص عبارات الحب والتقدير فذلك قرين العنقاء بل يفوق عليها في استحالة الوقوع.
من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يلتفت بكليته لمن يكلمه
لذا إن أردت أن تعبر عن امتنانك أو تقديرك أو حبك فانظر إلى عيني محدثك وأطلقها من قلبك، سترى نتائج عظيمة لم تكن يوما تتوقعها.

الثلاثاء، 31 مارس 2009

الرحلة الزمردية إلى الديار الهندية - الجزء الثالث

هبطت بنا الطائرة في مطار حيدرآباد الدولي، وبعد أن سلمنا السير المتحرك حقائبنا (مجانا)، بحثنا في تلك الأمواج البشرية عمن ينتظرنا، أو عمن على الأقل يشبهنا، ضحكت وأنا أبحث لأن الجميع بدوا لي متشابهين، رددت على مسمعي أن هذا مستحيل، وفجأة لمحتها، جدتي التي لم أرها منذ عشر سنوات، عرفتها مباشرة، تقدمت نحوها وقبلت رأسها وهي مستغربة من مظهري الذي فقد طفولته، وأنا متوتر من رؤيتها وعدم مقدرتي على التواصل معها، فكلنا يتحدث لغة مختلفة،وكان هناك خالي أيضا لمحته لاحقا، وعانقته دون توتر، فهو جاء إلى عمان سابقا، ويجيد العربية قليلا، خرجنا من المطار إلى عالم آخر مختلف، لا أذكر أني رأيت في أي وقت من حياتي، صحوا أو نوما، هذا العدد الهائل من الأعين موجهة نحوي في لحظة واحدة تفحصني بأشعتها ثم تنتقل عني عندما تراني لا أحقق غايتها، عدنا إلى منزل جدي في السيارة الصفراء الصغيرة التي استعارها خالي من جاره، حيدرآباد مدينة نظيفة نسبيا مقارنة بغيرها من مدن الهند، شوارعها مزدحمة ليس بالسيارات فقط، بل بمختلف أنواع الدراجات والحمير والعربات التي تجرها الثيران وأحيانا كثيرة بنو البشر، وهناك أيضا (الآتو) سيارة صفراء صغيرة جميلة بلا نوافذ وبثلاث إطارات، السائق متعدد المهام وحده يجلس في الأمام يسوق ويخرج يديه خارج السيارة كلما أراد الانعطاف، وخلفه مقعد يتسع لثلاثة كحد أقصى يراقبون العداد أمامهم يجري بالكيلومترات التي قطعوها، تجربة جميلة غير أنك لا بد من أن تجري تنظيفا شاملا بالصابون والشامبو لأنابيب أنفك الملوثة بدخان السيارات التي تستعمل غالبا وقودا رخيصا أو غير منقى من الرصاص وفي حالات كثيرة مخلوطا بمواد الله أعلم ماهي. المباني جميلة يفوح منها عبق التراث هناك المباني القديمة بعضها يعود إلى العهد الإسلامي قبل قرن من الزمن وأكثر، هناك المكتبات الإسلامية القديمة، والبيمارستانات، والجوامع الرائعة التصميم، والبيوت المبنية على الطراز العثماني حيث كانت هناك علاقات بين العثمانيين والهند خاصة في عهد محمد علي باشا حتى أن بعض الشوارع قد سميت باسمه.
وصلت إلى المدينة التي يسكن فيها جدي وأبنائه الاثنا عشر وأحفادهم الذي لم تسنح لي الفرصة لعدهم، اسم المدينة عمبر بيت، واسم المنطقة الداخلية آزاد نجر، أخبروني معناها ونسيته حاليا، آزاد نجر كومة من البيوت المتراصة بشكل عجيب ولا نهائي، تمر بينها طرق تضيق حتى أن المرء يمشي على جنب، وطرق أخرى لا تتسع إلا بمقدار ما يسمح لسيارة بالمرور، لقد استمتعت بالدوران في تلك المتاهة لاحقا، وكنت أمشي لمسافة طويلة وأبتعد عن بيت جدي، وأعود من طريق أخرى معتمدا على الحظ ونجوم النهار ومن الغرابة بمكان أنني دائما أصيب ولا أتوه، لم أجد لذلك تفسيرا، فأنا غالبا ما أتوه في شوارع دبي والشارقة المنظمة والمعنونة بمختلف أنواع اللوحات.
كان والد جدي "قاسم" الناجي الوحيد من بين أهالي قريته التي أصابها مرض فتك بجميع من يعرفه، ولكنه بعد سنين تزوج وأنجب ولدين، وكل ولد بعد ذلك أنجب ثلاثة عشر والدا، والآن لدى بعض هؤلاء الأولاد الذين انتشروا في الأرض حتى مسقط ودبي أحفادا، وأحفاد أحفاد، جدي "معين الدين" كان المسلم الوحيد الذي دفعه الفقر أن يعيش في بلدة كل أهلها كفار، وذاك يعني انعدام المسجد ودوره في الحفاظ على الرعية المسلمة، فكان في بداية حياته يكثر من شرب شراب طبيعي يخرج من أشجار مثل النخيل ولكنه يسكر ويذهب العقل، وذاك بسبب الجهل والصحبة السيئة، وبعد ذلك وبإصرار من زوجته "آمنة" المنحدرة من عائلة متمسكة بإسلامها، انتقل جدي وعائلته الصغيرة آنذاك- وكانت أمي أكبر أولاده- إلى بيئة مسلمة بالقرب من أصهاره، حيث ترك ذاك الشراب، وعكف بدلا منه على التدخين الذي أتعبه وأسقطه طريح الفراش مرات عديدة، حتى هذه المرة التي كانت سببا لزيارتنا للهند، لأنه اتصل بأمي وأخبرها أنه يريد رؤيتها وأن موعد رحيله عن دنيانا قد قرب.
حين دخلت البيت المستأجر من بابه الأمامي كان على اليمين حفرة صغيرة تملأ بالماء الذي يستخدم للشرب والطبخ، وعن يمين الحفرة الحمام الوحيد في المنزل، وعندما تخطو خطوتين للأمام، يصادفك عن اليمين مطبخ رمادي اللون تفوح منه روائح الفلفل والبهارات المختلفة ورائحة نخالة الأرز، ثم بعد خطوات بسيطة تجد نفسك في بهو متواضع مزود بكراسي قديمة وسريرا خشبيا مغطى بشبكة تحمي من البعوض الذي يترك أزرارا حمراء على جسمك تسبب لك الحكة الرهيبة عندما يقرصك، وبعد البهو تحتار هل تذهب لليسار لغرفة تناول الطعام في النهار، والنوم للنساء فقط في الليل، أم لليمين لغرفة جدي المريض، والتي ينام فيها الرجال، وهاتان الغرفتان هما الحدود النهائية للبيت، كان جدي مستلقيا على سرير خشبي، يعلوه رف وضع عليه أغطية النوم التي فقدت ألوانها، وكان رجلا مهيبا بلحيته البيضاء الوقورة في السبعين من عمره، عندما دخلت عليه رفع لي يديه المترهلتين، ووجدت نفسي أصافحه دونما غرابة أو استنكار، وتحدثنا كثيرا بغة الأعين في وقت قصير، فلا واحد منا يجيد لغة الآخر، ولم أجد شيئا لأقوله في ذلك الموقف بعد أن ألقيت التحية والسلام.

الأربعاء، 25 مارس 2009

معرفة الآخرين قوة

السلام عليكم
المعرفة قوة
كل معلومة تمتلكها هي أداة يمكنك أن تستغلها في وقت ما لتحقيق أهدافك
وكلما كانت المعلومة مرتبطة بمعلومات أخرى بصورة منهجية
كلما كانت فاعليتها أشد، وتأثيرها أشمل
ومن أهم المعارف التي يمكن لكل واحد منا أن يمتلكها بسهولة

هي معرفة الآخرين من حولك
جميعهم بلا استثناء، على اختلاف دياناتهم وأصولهم ومداركهم
معرفتك بإنسان آخر هي كنز لا نتصوره
ودائما نعتبره من المسلمات
ولكنه في الحقيقة من أعظم النجاحات التي يحققها المرء في حياته
ومعرفتك بالآخرين تزداد فائدتها كلما ارتقيت بها عن المادية البحتة
وارتفعت بها في سماء الإخوة الصادقة المخلصة
فهيا نعرف بعضنا البعض لنتعارف ويعترف كل منا بالآخر

أحمد السابعي
27 ربيع الأول 1430هـ

الثلاثاء، 17 مارس 2009

الرحلة الزمردية إلى الديار الهندية - الجزء الثاني

دخلنا مطار السيب الدولي (سابقا)، وأنا أدفع أمامي عربتين محملتين الواحدة أمام الأخرى، لأن أمي كانت تحمل أختي الصغيرة.

يراودني شعور غريب كلما دخلت المطار، وكأني في بُعد مكاني آخر هو صلة بين عالمين مختلفين، ارتفعت الطائرة و"خضتنا خض العالمين"، منفرة كل ذباب النوم الملتصق على جفني، ورغم أننا استمتعنا بالرحلة السماوية لساعتين فقط، إلا أنه قد مضت أربع ساعات من حياتنا، وبينما كنت أتساءل كيف سرقت الساعتين، نبهتني مضيفة الطائرة إلى ضرورة تعبئة استمارة التأشيرة قبل دخولنا إلى مطار بومباي الدولي.

كانت استمارة طويلة من وجهين، "والغم" بالإنجليزي، ولم تكن إنجليزيتي حينها بتلك القوة، فكتبت ما فهمته وتركت باقي الخانات فارغة، وعندما سلمتها للموظف المسؤول، رفض استلامها وقال بلغته أنه لا بد أن أملأ كل الخانات، وبمساعدة أمي التي تجيد تلك اللغة للترجمة بيني وبينه، قلت له املأها أنت، فرفض بدعوى أنه سيأتي فوج آخر من المسافرين، وأن ذاك سيعطل العمل، فذهبنا إلى شخص آخر ليملأها لنا، فكان أول رد له: "150 روبية"، وبعملية حسابية بسيطة اتضح أن ذاك يساوي ريالا ونصف، فرديت عليه: your big grandmother will give you، وبالعماني يعني"حبوتك العودة بتعطيك"، كنت غاضبا لذلك الاستغلال غير المعقول، ولكن أمي نبهتني أننا سنقضي الليل كله دون أن يساعدنا أحد، فرجعنا إليه، وبمضض ممزوج بحسرة لعدم بذلي المزيد من الجهد في حصة الإنجليزي، دفعنا له ذلك المبلغ.

وكنت حينها بكامل ملابسي العمانية التقليدية، وعندما دخلنا إلى قاعة كبيرة لختم الجوازات، وكنت أجر العربتين، رأيت منظرا عجبا، رأيت أكثر من عشرة أشخاص يركضون بكل ما أوتوا من قوة نحونا، فغمرتني نشوة عجيبة، وقلت في نفسي "كل هذا لأني عربي"، فهمست لي أمي أن هؤلاء جاءوا لحمل الحقائب، والناس هنا لا تعرف "لوجه الله"، ولأني ما زلت منفعلا من الموقف السابق، أوقفت العربتين، وتقدمت للأمام، ورفعت يدي عاليا، وهتفت بالإنجليزية: لا مال ... لا مال،no money ... no money فرأيت منظرا أشد عجبا، وسأحكيه بالبطيء، الكل ضغط على كابح السرعة، وتوقف مستعينا بأحد قدميه لتخفيف السرعة، حتى أن البعض سقط، ثم قفلوا كلهم راجعين، وأحدهم ينفض يديه إلى السماء استنكارا، حسنا "غيبوا، لم أطلب المساعدة في المقام الأول"، ولا أخفيكم أن دفع تلك العربات كان متعبا، وكان المطار كبيرا، ولم نجد المخرج بسرعة، ودرنا في دوامة، ومررنا بجانب أحد موظفي المطار مرتين، وهو يرى حيرتنا، ولكن لم ينبس ببنت شفة، فأرسلت له إشارة بعيني مفادها : لو قضيت الليل بطوله، لن تنل مني نصف روبية"، وطبعا هذا تمسك بمبدأ ما، وليس بخلا، وهذا هو الخطأ الفادح الأول، أنني لم أشتر تذكرة مباشرة إلى حيدرآباد وأعف نفسي من كل هذا العناء.

على العموم، كان هناك، ولله الحمد والمنة، باص توفره شركة المطار مجانا للمسافرين، لينقلك من المطار الدولي إلى المطار المحلي، ولما وصلنا، تناول العمال أغراضي، وحملوها في الباص قبل أن أنطق كلمتي السرية، وقبل أن أصعد الباص، لكزني مسؤولهم بإصبعه، وحدثني بإنجليزية مكسرة: صديق، شوية فلوس، نفر تعبان، فرديت عليه بإنجليزية أكثر تكسرا: رفيق، شوف، أنا نفر دفع فلوس كثير، دفع 20000 روبية أول من عمان منشان تذكرة، انته شغل، راتب موجود، سلام عليكم، وقبل أن يصل الباص وقفت والتصقت بالباب، وقبل أن يفتح كنت ممسكا بأغراضي، ورفضت أن يساعدني أحد، انطلقت الطائرة الأخرى إلى حيدرآباد، وكان الوقت نهارا، والمنظر من الأعلى غاية الإبداع والإتقان، مساحات خضراء كأنها البحر، وجبال متواصلة كأسنان المشط، وآية آيات الله في خلقه. وبعد طول عناء ممتع وجميل، وصلنا إلى حيدرآباد، بفضل الله.

السبت، 14 مارس 2009

الرحلة الزمردية إلى الديار الهندية - الجزء الأول


لأول مرة في حياتي دخلت مكتب السفريات ليلة السبت في الأسبوع قبل الأخير قبل بدء العام الدراسي 2003/2004م، ولأول مرة في حياتي أيضا، اشتريت، من حر مالي، تذاكر سفر إلى حيدرآباد - المدينة المشهورة بتاريخها الإسلامي العريق في الهند - لي ولأمي ولأختي الرضيعة، ولأنها أول مرة، ارتكبت خطئين، اتضح فيما بعد أنهما فادحان: اشتريت تذاكر رحلة يتوقف خط سيرها في بومباي لتغيير الطائرة، وتركت تاريخ العودة مفتوحا دون تحديد، وكان موعد الرحلة ليلة الثلاثاء القادمة من نفس الأسبوع، وفي صباح السبت التالي، ذهبت لجوازات القرم لأصدر جوازا لأختي الرضيعة، وبعد رحلة مخاض عسيرة بين المكاتب، قال لي الشرطي سيجهز جوازك يوم الاثنين، فأخبرته أن ذاك قبيل موعد سفري بفترة حرجة، "فما قصر" قال لي مر علي غدا وستجده جاهزا، وقبيل خروجي وجدت شرطيا آخر من نفس ولايتي يعمل هناك، فعرفته على نفسي، وأخبرته عن معاملتي، قال انتظر قليلا، "وما قصر أكثر وأكثر" دخل في إحدى المكاتب، وأصدر الجواز في الساعة، (هذه ليست واسطة بل مساعدة).

ثم ذهبت للسفارة الهندية في روي، لإصدار تأشيرة لي ولأختي، وصلت هناك في تمام الثانية عشرة، وذاك موعد الإغلاق، ورأيت الحارس يقفل الباب أمامي، فشرحت له ظرفي وطلبت منه باستجداء أن يدخل الجوازات إليهم في الداخل، وسآتي لاستلامها لاحقا، إلا أنه رفض أن يدخل معاملتي؛ لأنه لم يكن من نفس ولايتي بل من ولاية أخرى بعيدة، لذا رجعت وقد اقتنعت أن العيد لا يأتي في نفس اليوم مرتين، وعدت لمنزل صديق لي في الغبرة لأنام عنده، وفي صباح يوم الأحد، وقبل أن أتوجه للسفارة، ذهبت إلى مكتب مدير المعهد الذي كنت أدرس فيه، وكنت حينذاك في الصف الثاني الثانوي، لأخبره بأني سأتغيب عن الأسبوع الأول من الدراسة، "فما قصر هو الآخر"، وقال:"لا تطوّل أكثر من أسبوع" ـ"إن شاء الله، أستاذ، ولا يهمك"، ثم اتضح أنه هو الآخر ذاهب إلى روي لإنجاز معاملة في إحدى شركات التأمين، فأخذني معه. ونظام السفارة يقتضي أن تملأ استمارة طلب التأشيرة، ثم تسلمها مع الجوازات للموظف المسؤول لتأتي لاستلامها في فترة ما بعد الظهيرة، المشوار طويل من روي إلى الغبرة، ولكن "الحاجة مسودة وجه"، "واللهم لا اعتراض"، وكنت قد اتفقت مع المدير بأنه إذا اتفق وقت انتهائي مع وقت خروجه من الشركة فسنعود مع بعض، ولحسن حظي، قضي للوقتين أن يتفقا، ورجعنا إلى مقر المعهد في الغبرة، وكان المدرسون هناك يعدون العدة والعتاد للعام الجديد، تجولت بينهم قليلا ثم فورا للصلاة، وبعد خروجي من المسجد مصليا الظهر، وجدت أحد أصدقائي القدامى الذي غاب عن ناظري فترة طويلة من الزمن، فتعانقنا وتصافحنا وتبادلنا العلوم والأخبار، ومن أخباره أنه اشترى سيارة جديدة، ومن أخباري ما عرفتم، فعرض أن يأخذني للسفارة ويرجعني منها، وتسوق لك الأقدار خيرا وأنت لا تدري.

بعد التجوال الطويل، عدت إلى السويق، جهزنا متاعنا، واشترينا الحلوى العمانية، هدية لأخوالي في الهند، وبالطبع حولنا الريال العماني إلى روبية هندية، تمام التمام، كل شيء جاهز، هيا نركب الطائرة، ولكن قبل ذلك هناك ملاحظة: في طريقنا إلى المطار، أعطيت السائق شريط أناشيد "بديع الزمان" ليشغله لنا أثناء سيرنا، وذاك الشريط غدا دوما يثير شجوني عندما أستمع له بعد عودتي من الهند، لأنه ارتبط بذكريات مركبة: توديع والدي لنا؛ مرافقة إخوتي لنا في الطريق؛ وسعادة أمي؛ وأيضا نسي السائق أن يرجع الشريط إلي! وقد مضت ست سنوات تقريبا وما زلت أتمنى أن يعود.

الثلاثاء، 10 مارس 2009

المطاوعة، وما أدراك ما المطاوعة؟

أولا: في هذه المدونة أدون أفكاري القابلة للتطوير كلما اكتسبت خبرة أكثر أو انكشفت لي بعض الحقائق المتخفية.
ثانيا: لا أحبذ أن أتبع الأسلوب الأكاديمي - كما يعلمونا في الجامعة، وكما شدد أحد زملائي علي ليلة البارحة على ضرورة انتهاجه حتى أحسن من صورتي أمام العالم -، وفي الحقيقة، فأنا لا أريد أن أحسنها، أريد الناس أن يروا صورتي الحقيقة، وإن لم تعجبهم (فالأفضل أن يكون لسبب منطقي يقنعني، وإلا فالباب يطوف جمل).
وسأتكلم هنا بالطريقة العادية في عرضها (استخدام العامية أحيانا)، الغنية بالأفكارفي نفس الوقت، وذلك حتى لا يجرني الناس إلى محاكمهم على كل صغيرة وكبيرة إن أنا "تفرعنت" وأعلنت أنني أسطر هنا الحقيقة الأكاديمية الصرفة.

وهذا المنهج أتبعه في كثير من تعاملاتي، والسبب وراءه أنني مطوع.

وقبل أن أتحدث بلسان غيري من المطاوعة، وللعلم فهم مختلفون لأصناف عديدة، وحشرهم كلهم في فئة واحدة، مشابه لما فعله فاتحوا القارة الأمريكية عندما قتلوا التعدد الثري للقبائل الأصلية هناك، والمختلفة في تقاليدها ولغاتها وأطلقوا عليهم كلهم "الهنود الحمر"، ثم أخذوا يطلقون عليهم أحكاما عامة بأنهم كلهم كذا، وكلهم يفعلون كذا، وذلك بعيد كل البعد عن الصواب والمنطق والمنهجية السليمة. (لا أريد أن يأتي أحد ويقول أني قلت أن المطاوعة هنود حمر، أنا عارف أن أحد المتفيهمين سيفعل ذلك، ولكن هذا مجرد تشبيه لنقطة "حشر جماعات مختلفة تحت غطاء أسود مظلم واحد لا يكشف للرائي عن حقيقة تفاصيل ما وراءه). "أيوا ويش كنا نقول؟، نعم" قبل أن أتحدث عن هؤلاء أحب أن أسرد تجربتي، عل البعض يفهمني ثم يضعني في خانة مختلفة خاصة بي، ولا يقارني أبدا "بذاك المطوع اللي شافه ذيك اليوم واللي استوى معاه موقف ما حلو".

أنا والدي - رحمة الله عليه - من المطاوعة القدامى الذين من الله عليهم بحفظ القرآن وتعلم علوم الشريعة، وكان معلما للقرآن في قريتنا، ومن هذه الحقيقة أرغب أن أخبركم شيئين:
- أن الخلفية العائلية أثرت في الشخصية التي أصبحتها وكان لها دور مهم ولكنه ليس الأساسي.
- أنك عندما ترى تشدد "بعض المطاوعة" في الدفاع عن أنفسهم، فهم يدافعون عن "آبائهم"، أو عن مثلهم العليا التي يقتدون بها، ولم يستنكر البعض هذا أشد الاستنكار، ولا يستنكر - هو نفسه - تشدد البعض في الدفاع عن بعض لاعبي الكرة والمغنيات وعمن يقلدهم، ويصم الفريق الأول بالتخلف، والآخر بالانفتاح، خلونا - على الأقل - عادلين، ونعطي المطاوعة حق المساواة مع غيرهم، في تشجيع مثلهم العليا، ولو بالغوا أحيانا في بعض المناسبات، كما أنكم لا ترون بأسا في أن يعبر الشباب عن فرحتهم ببعض المبالغة إن فاز فريقه، ولا أقصد بالمبالغة "خرق القوانين"، بل الزينة التي تملأ الشوارع والسيارات.

- الجانب الآخر الذي أثر في شخصيتي: نوعية الكتب التي كان أبي - رحمه الله - يشتريها، والتي عودنا على قراءتها منذ نعومة أظفارنا، هذا الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها المطوع (الأصلي وليس المتحول حديثا)، تؤثر كثيرا فيمن سيكون، ودعونا الآن من قضية "عدم تفريق الغث والسمين من تراثنا"، والتدين اللاواعي والذي أعتقد بأهميتهما، ولكننا الآن أمام حقيقة أنه قد وجد في الوجود كائن يختلف عن البعض في أفكاره التي زرعت فيه منذ صغره، ولا بد أن يعترف هذا البعض أولا بهذا الوجود، كما يعترف باليهودي والملحد وغيرهما، وهذا الاعتراف ليس مجرد تشدقات باللسان، لا بد أن يكون له أثر، فأنت عندما تحرم هذه الفئة من الدخول في بعض الوظائف إلا إن تخلت عن بعض مبادئها، وعندما تنظر إليهم نظرة دونية ولا تصافحهم إلا بطرف أصابعك، وعندما تضيق عنهم الخناق في البوح بأفكارهم، وعندما لا تريد أن تنظر للأمر من وجهة نظرهم، ولا تريد أن تتعرف ولو قليلا على طريقة تفكيرهم، فما أنت إلا متشدق. وفي نفس الوقت فإن هذا الاعتراف لا يخول المطاوعة أن يتصرفوا في رقاب الناس كما يحلو لهم.

وهذا يقودنا إلى نقطة أن الانتقاد ينبغي أن يكون إلى تصرفاتهم (وهذا ضمنا يعني عدم التعميم في الحديث عنهم)، وليس مقبولا انتقاد من مثل:"والله ما عاجبني شكلك، فور ويل ... الخ)، وهذا أمر يوافق عليه العقلاء ظاهرا، ولكن أفعالهم وكتاباتهم تنبي عن خلاف ذلك.

وعامل آخر: هو دخولي لمعهد العلوم الإسلامية، والذي كان له الدور الأساسي في تكوين شخصيتي، حيث تلقيت العلوم الشرعية من منبعها، ودرست الأمر من جوانب مختلفة، واحتككت مع طوائف مختلفة، ودفعني شعوري بأني مختلف حتى عن بعض أفراد عائلتي، والذي بعضهم عارض "مطوعيتي"، وقال أنها موضة وستزول، وسأسقط كما سقط غيري، دفعني ذلك كله للبحث الحقيقي عمن أريد أن أكون، للبحث عن الإجابات لكل الأسئلة والشبهات، حتى وصلت إلى ما وصلت عليه.

أنا مطوع أي مطيع لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي فهمها بعض العلماء الذين أثبتت الشهرة القاطعة صدقهم واجتهادهم وتمكنهم من أدوات فهم الدين، وهذا لا يعني التقليد الأعمى أو تقديس الرجال، فلا بد أن يكون الوعي بسبب تحليل هذا وسبب تحريم هذا موجودا حتى لا تكون "مطوعية جوفاء"، وعلى سبيل المثال: عند نزول بعض الفتاوى الجديدة من هؤلاء العلماء فإني لا أسارع بتطبيقها فورا قبل التأني والتمعن، وأنا أثق فيهم في أمور العبادة والمعاملات الشرعية فقط، والتي لا يمكن للمرء أن يكون رأيا أفضل من الذي أنزله الله عزوجل ورسوله، ودعوى أن هذه الأمور هي من تفسير العلماء لنصوص الدين من دون وجود دليل على أن الدين أراد ذلك، هي باطلة فالدليل موجود، والعالم الحق لا بد أن يعرضه وبإمكان أي شخص إن كان يمتلك الأدوات اللازمة أن يعارض ذلك الدليل، وإلا فليصمت، ولا يدع جهله بأمور الدين وطرق تفسيره المقبولة يدفعه للحط من قدر العالم ورفض كل أقواله المدعمة بالحجج والممكن إثباتها، ثم يأتي بدين آخر من عنده ما أنزل الله به من سلطان، ويعيث في الأرض الفساد، وينكر البعض مركزية العلماء وتسلطهم على رقاب الناس "كما يدعي" وهي دعوى باطلة "أي التسلط"، ولكننا نراه هو نفسه يفرض من ثم آراءه التي جلبها من "حيالله مصدر"، ويطالب بحرية الرأي لرأيه، ولكنه لا يريد حرية الرأي للفريق الآخر، وهذا كما ذكرت مرارا هو من البعض، وليس الكل، وأنا هنا أرد على البعض الذي أرى أن له نفوذا وخطرا.

ومع ذلك، فأنا لا أتابع العلماء في كل ما يقولونه، وخاصة في كيف ينبغي أن أصرف دنياي وعلاقاتي مع أهلي وإخواني، فأنا أفهم الضوابط العامة للدين، ثم بعد ذلك فإن التطبيق يختلف حسب الظرف المكاني والزماني والعوامل الأخرى، هذه صورة عامة، ولكن التفاصيل قد تختلف، وهنا تكمن المشكلة، أن الناس يريدون أن يدعوا العلم بالشيء قبل أن يطلعوا على تفاصيله، ومن أهم التفاصيل التي يغفلها منتقدو المطاوعة، أن المطاوعة بشر حالهم حال كل الناس، يحبوا أن يأكلوا الطيب، وأن يصعدوا الجبال، وأن يتزلجوا على الجليد، وأن يعيشوا حياتهم، لذا فهم طبعا سيخطئون وتبدر منهم الهنات

وفي نفس الوقت على المطوع أن يتحمل مسؤولية قراره بأن يصبح مطوعا، وأن يكون قدر المسؤولية، ولكن قلي من الكامل؟ لذا أنا أتبع المنهجية التي ذكرتها في أول المقال: دائما أحب أن أؤكد للناس بشريتي بتعمدي ارتكاب بعض الهنات البسيطة أمامهم حتى يتعودوا علي، ويعرفوا شخصيتي، ولا يجرونني كل يوم إلى محاكمة !

وإلى لقاء آخر

أحمد السابعي

مسقط (سكن جامع الحوسني في خريس الحبوس/السيب)

False Judgement (imaginary



False Judgment
Ahmed Hamed Al Sabei

On a sunny and very hot day, I was walking down an alley in my village when I suddenly bumped into a full-bodied, tall and bald man. His appearance shocked me so much that I fell down, for he had a deep and red scar on his forehead. What made me more confused and shocked that he left me on the ground without uttering a single word and with a grim look on his face, as if the situation was completely my fault. Being very sensitive, I became so obsessive about the whole incident that I spent months talking badly about him with anyone I met. Later, I discovered that he was a fisherman whose name was Salem, and he lived alone and never mingled with people in real life contact. My first and natural feelings about Salem were that he was a cruel, insensitive and emotionless man; however, my impression was proved to be wrong years later, and I found that he was, in his own way, the most kind and caring person I have ever met.

My initial reaction, that Salem was a cruel and harsh man, was due partly to his distinctive body features and mainly to his cold and insensitive attitudes towards others. He had a huge rounded body, and was relatively tall. A little short hair was wandering on the top of his scalp which was supposed to make people laugh; instead of that, his red scar had made them disappear. For several years, I kept meeting him, accidentally, at the rare times he went out in public in the village allies, in the suq, where he came to sell his daily stock of fish, and in the mosque; and I never had a conversation with him, nor did most of the villagers. The only words, which came out of his mouth, were the prices of his fish. Even then, he would not argue or discuss anything. This kind of behavior circled him with an unnecessary atmosphere of uneasiness and disaffection.

Then, in a very long night, a strange incident made me change my opinion of him completely. At that night, my whole body was sweating and I could not sleep, so I went out for fresh air. To my great astonishment, I found Salem sneaking out on his toes from one of the village's allies, carrying a huge bag on his back. I followed him secretly to discover what he was doing. He went to certain houses in the village and left some items in front of the doors. They were small bags of rice and of other types of food and they were given in this secret manner for all people in need in our village. This incident really opened my eyes on a very different part of his personality which was kept hidden for a long time. I discovered, then, that I had never tried honestly to understand him. Therefore, in the early morning of the next day, I started questioning all the villagers about him and his past, but only a very few of them were able to tell me the truth; and only after a dogged persistence of my side for they had promised Salem that they would not tell anybody his story. His beloved wife and children had died in a car accident and that devastated him completely. He cut off all the people around him and abandoned everything in his life except two things: his charity acts, and his work.

Now, I believe that he was the most kind and caring person I have ever met, despite his gloomy and emotionless appearance. And, although his behavior might have seemed to others inexcusable, I have understood his situation fully. He was very attached to his young and beautiful bride and to his children who were everything in his life. However, shortly after the horrible accident, people insisted on his moving on and even started suggesting another bride for him. They did not appreciate his love to his dead wife and did not respect his grieve. Therefore, he boycotted all of them, stopped having conversations with them and never went out of his house except in case of emergency. However, the original kindness in his heart did not allow him to abandon his charity acts, so he continued doing them in his own way.

I went one day to his house, and after a series of long knocks, he opened the door. He did not show any signs that he was going to speak, so I seized the opportunity and apologized to him for all the bad talks I had said about him from his back. Then, I kept talking, explaining my whole point of view of him and what people had done to him, and saying that I understood his situation. Then, for my greatest joy, he let me in his house, and then we became best friends
.

الاثنين، 9 مارس 2009

قصيدة


أرسل لي زميلي خاطرة، فزارتني القريحة إحدى زياراتها النادرة، فقلت هذه الأبيات:


أنا حي وكل الموت يرصدني وأرصده


ولن أرضى بأن أحيا بلا ثمنٍ أكابده


ولن أشكو إذا ما غصت في حزَن ومنصبة


ولن أصخي لمن يبكي وتقلقني شواهده


سأبقى صامدا جلدا على شر ومسغبة


بلا خوف ينغصني ولا ندم أضاجعه


وأدعو الله دوما أن يؤيدنا بمرحمة


تسوق الخير ناصية الألى غفلوا بدائعه


هو المولى فلا هول يصنفنا بشرذمة


إليه الملتجى رب، فلا تفنى عوائده

زنجي يتحدث عن الأنهار (ترجمة)


لانجستون هاغس
ترجمة أحمد السابعي

لقد عرفت أنهارا :
لقد عرفت أنهارا قديمة قدم العالم
بل هي أقدم من تدفق الدم البشري
في عروق الإنسان

فارتقت روحي وأصبحت عميقة كعمق الأنهار

أنا في الفرات تطهرت عندما كان الفجر يافعا
وبنيت كوخا جنب نهر الكونغو فهدهد لي حتى أنام
أنا من اهتم بالنيل وشيد الأهرامات على ضفافه
أنا من استمع لغناء المسيسيبي حينما ذهب لنكولن
إلى نيو أورليانز، وقد رأيت صدر النهر الموحل يلمع ذهبا
عند الغروب


لقد عرفت أنهارا :
أنهارا قديمة، وقاتمة
فارتقت روحي وأصبحت عميقة كعمق الأنهار

صراع الديكة (نشرت في أشرعة) قصة خيالية


والدي طبيب بيطري، يأتي إليه الناس من كافة القرى المجاورة ليعالج لهم حيواناتهم المريضة، ويقدم لهم الأدوية والإرشادات حول كيفية العناية بها، ولكثرة مشاهدتي له يعالج ويتعامل مع مختلف أنواع الحيوانات والطيور، بدأت تدريجيا أتملك مقدرة التواصل معها، بدأت أفهمها وأفهم احتياجاتها، وذلك استحوذ على تفكيري وشغل بالي، فلا تراني إلا هائما في أرجاء القرية ألاحق طيرا هنا، وأمعن النظر في شاة ترضع وليدها هناك. وفي يوم من الأيام استدرجتني ملاحقتي لحمار يترنح ترنحا غريبا إلى خارج القرية حيث المزارع والبساتين، ومن بعيد لاحظت في أحد تلك البساتين الذي يبدوا أنه قد هجر منذ فترة لموت وتهاوي نخيله لاحظت حركة غريبة كأن مجموعة من الأشياء تصطدم ببعضها، لم أستطع تمييزها لبعد المسافة ولوجود شباك البستان وبعض الشجيرات في مرمى بصري، فتركت الحمار لحال سبيله وتوجهت نحوها، وكلما اقتربت تكشفت لي بعض الحقائق، إنها كائنات، نعم، ولونها أحمر قرمزي، إنها طيور، ما نوعها؟ اقتربت أكثر... يا للعجب إنها معركة طاحنة بين أربعة من الديكة، هرولت حتى وصلت إلى البستان فتحت الباب بصعوبة واختبئت خلف إحدى أشجار النخيل، أمر لا يصدق، ثلاثة من الديكة يهاجمون ديكا آخرا، لا، إنهم لا يهاجمونه إنهم يحاولون الوصول إلى شيء خلفه لم أستطع تمييزه لوجود كومة كبيرة من أوراق شجر المانجو، والديك يمنعهم بكل ما أوتي من قوة، يهاجم ذا بمنقاره ويكر على ذلك بمخالب أصابع رجليه الصغيرتين، ويضرب وجه الثالث بجناحيه، والريش الأحمر يتطاير في ساحة المعركة، بدا أنه في حالة استنفار عام، بدا أنه سيبذل روحه رخيصة دفاعا عن ذلك الشيء، عقدت الدهشة كل مفاصلي، ولغرابة الموقف وشدة وطيس المعركة لم يرف لي جفن، ولم أقوى على الحراك، ولكن بعد فترة لاحظت أن الديك المهاجَم بدت قواه تخور، وقد أنهكه التعب، وهدت عزيمته الجراح، ولما ظننت أن المعركة قاربت على الانتهاء إذا به يجري نحو تلك الكومة ويمسك برجليه شوكة نخيل ملقاة على الأرض، طويلة وسميكة، ويقفز بها في الهواء نحو أحد مهاجميه، طاعنا صدره، وجاعلا منه الدماء تسيل، ودب الرعب في الديكين الآخرين، وأخذا يفران مطلقان صيحات هلع وخوف، والثالث خلفهما يجر رجليه، حتى اختفوا عن الأنظار، لحظة صمت طويلة، وبعدها سقط الديك على الأرض كما تسقط النخلة الشامخة، استجمعت قواي وركضت نحوه، حملته بين ذراعي، ما زال يتنفس، أردت الرجوع به إلى البيت ولكن تذكرت أنه كان يدافع عن شيء ما باستماتة لا نظير لها، نظرت خلف الكومة فإذا دجاجة ملقاة على الأرض ترتجف ارتجافا شديدا، حملتها هي الأخرى ورجعت بها إلى البيت، وطوال الطريق هاجمتني آلاف الأسئلة حتى ظننت أصبت بالصداع، وصلت إلى البيت وطلبت من أبي أن يعالجهم، وأخذ يسألني بفضول عما حدث، ولكنني خرجت بسرعة عائدا إلى نفس المكان باحثا عن أجوبة، وإلا إن رأسي سينفجر، ولما وصلت أخذت نفسا عميقا وركزت كل قواي العقلية، وبدأت بالبحث، لماذا يهاجم الديكة ديكا، أو بالأحرى ماذا يريدون من دجاجة مريضة؟ هل يريدون أكلها، أم الاعتداء عليها، لا، مستحيل، لا تفكر الديكة بخبث هكذا كما يفعل الإنسان، نقبت تلك الكومة وبحثت جيدا فوجدت الجواب، توجد تحتها كمية ليست بالكبيرة من الحبوب، ويبدوا أنها قديمة، إذن الجوع هو السبب، ولكن لماذا تهاجم بعضها بعضا؟، لماذا لا تخرج للبحث عن الطعام؟ تجولت في أنحاء المزرعة فوجدتها قد سورت بشباك كبير تعلوه شبكات ملئت مسامير وحديدا تمنع دخول اللصوص، وجدت في إحدى تلك المسامير جثة ديك حاول الطيران هاربا وفشل، اتضحت كل جوانب القصة، هجر أصحاب البستان بستانهم المسور بإحكام، وقد أغلقوا الباب خلفهم، تاركين هذه الطيور دون أن يطلقوا سراحها، وربما تركوا أيضا كمية من العلف تكفي دهرا، ولكنه مع مرور الزمن قل وأصبح نادرا، فأخذت الطيور تهاجم بعضها بعضا بوحشية هكذا، خرجت أجر قدمي، وقد تركت الباب مفتوحا على مصراعيه.

السيد فوكس (ترجمة نشرت في العدد الثالث من ملحق الجسر)


قصة: هايدي آن هاينر
ترجمة: أحمد السابعي

كانت الآنسة ماري شابة جميلة، لها أخَوَان فقط، بينما لها من العشاق ما تعجز عن عدهم، ولكن من بينهم كلهم كان أشجعهم وأكثرهم شهامة السيد فوكس، الذي التقت به عندما أقامت لفترة في بيت أبيها الريفي، لم يكن أحد يعرف من هو السيد فوكس، لكنه قطعا كان شجاعا، و بلا شك من الأثرياء، ومن بين كل عشاقها اهتمت الآنسة ماري به فقط. وفي نهاية الأمر اتفقا على الزواج. سألت الآنسة ماري السيد فوكس عن مقر سكناهما بعد الزواج، فوصف السيد فوكس لها قلعته وأين تقع ولكن لم يطلب منها هي أو إخويها القدوم لرؤية القلعة، وهو ما استغربته الآنسة ماري.


لذلك وفي أحد الأيام قبيل موعد العرس، بينما كان أخوة الآنسة ماري خارج البيت، و السيد فوكس قد ذهب إلى مكان بعيد لمدة يوم أو يومين لقضاء بعض الأعمال ـ على حد زعمه - شرعت الآنسة ماري في البحث عن قلعته، وبعد عدة جولات بحث شاملة تمكنت أخيرا من الوصول إليها. كانت القلعة مبنى رائعا وقويا، محاطة بجدران عالية، وخندق مائي عميق، وعندما دنت من مدخل السور رأت مكتوبا عليه: " كن جسورا، كن جسوراا".


ولأن المدخل كان مفتوحا دخلت، ولم تجد أحدا؛ فصعدت إلى باب القلعة الداخلي، ووجدت مكتوبا عليه: "كن جسورا، كن جسوراا، ولكن لا تتهور".
ورغم التحذير واصلت تقدمها، حتى دخلت إلى الردهة، وارتقت الدرجات العريضة حتى وصلت إلى باب في رواق مكتوبا عليه:
" كن جسورا، كن جسوراا، ولكن لا تتهور
لكيلا تتجمد دماء قلبك من الخوف".
ولأن الآنسة ماري امرأة شجاعة؛ فتحت الباب، فماذا تظنون أنها رأت؟ لقد رأت أجسادا وهياكل لنساء جميلات ملطخة كلها بالدماء، عندها أحست الآنسة ماري أنها كان يفترض بها الفرار من ذلك المكان المروع قبل مدة، فأغلقت الباب ومشت في الرواق، وما كادت تهبط من الدرجات لتخرج من الردهة إلا ورأت من خلال النافذة السيد فوكس يجر امرأة جميلة وشابة طوال الطريق من مدخل السور إلى باب القلعة.
أسرعت الآنسة ماري بالنزول من الدرجات، واختبأت خلف برميل في الوقت المناسب، وفي نفس اللحظة دخل السيد فوكس ومعه المرأة المسكينة والتي بدا أنها قد أغمي عليها. وعندما أصبح بالقرب من الآنسة ماري، رأى السيد فوكس خاتما ماسيا يبرق لمعانا في إصبع المرأة الشابة التي كان يجرها، فحاول أن ينزعه، ولكنه ثابت في مكانه بإحكام يرفض أن يتزعزع أو يخرج، فأخذ السيد فوكس يلعن ويشتم، واستل سيفه من غمده، فرفعه وأنزله على يد تلك المرأة المسكينة، فبتر السيف يدها التي طارت عاليا في الهواء، وسقطت من بين أماكن العالم كلها في حضن الآنسة ماري. بحث عنها السيد فوكس لبرهة، لكنه لم يخطر بباله النظر خلف البرميل، لذا أكمل - أخيرا- جره المرأة الشابة صاعدا الدرج ثم إلى الغرفة الدموية.
وفي اللحظة التي سمعته يجتاز الرواق، زحفت إلى خارج الباب، ومنه نزولا إلى أن مرت خلال مدخل السور، ثم ركضت بكل ما أوتيت من قوة إلى بيتها.
واتفق أنه في اليوم التالي مباشرة سيكون التصديق على عقد زواج الآنسة ماري والسيد فوكس، وكان هناك إفطار فخم يسبقه. وبينما كان السيد فوكس جالسا على طاولة مواجها الآنسة ماري، نظر إليها، وقال " كم تبدين شاحبة هذا الصباح، عزيزتي".
ردت عليه"نعم" وأضافت:" لم أنم جيدا ليلة البارحة، لقد راودتني أحلام مروعة".
قال السيد فوكس: "دائما ما يأتي الواقع مخالفا للأحلام، ولكن أخبرينا حلمك، فصوتك العذب سيجعل الوقت ينساب حتى تأتي الساعة السعيدة".
قالت الآنسة ماري:" لقد حلمت أنني ذهبت صباح أمس بحثا عن قلعتك، ووجدتها في الغابة، بجدرانها العالية، وخندقها العميق، وقد كُتب على مدخل سورها: "كن جسورا، كن جسورا".
قال السيد فوكس:" لكن الواقع ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك".
- وعندما أتيت إلى باب القلعة وجدت مكتوبا عليه: "كن جسورا، كن جسورا، ولكن لا تتهور".
- لكن الواقع ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك.
- وعندما صعدت في الدرج، وأتيت إلى الرواق وجدت في نهايته بابا قد كتب عليه:" كن جسورا، كن جسورا، ولكن
لا تتهور، لكيلا تتجمد دماء قلبك".
- لكن الواقع ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك.
- ثم ... ثم فتحت الباب، فإذا أجسادا وهياكل لنساء مسكينات ميتات، ملطخات كلهن بدمائهن.
- لكنه ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك، ومعاذ الله أن أفعل شيئا مثل ذلك.
- ثم حلمت أنني أسرعت بالنزول من الرواق، وفي اللحظة التي هممت فيها بالنزول من الدرجات رأيتك يا سيد
فوكس قادما إلى باب الردهة، تجر خلفك امرأة شابة ومسكينة، غنية وجميلة.
- لكنه ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك، معاذ الله أن أفعل شيئا مثل ذلك.
- أسرعت إلى أسفل الدرج، وفي نفس اللحظة التي اختبأت فيها خلف برميل، دخلت أنت يا سيد فوكس تجر المرأة
الشابة من ذراعها، وعندما مررت بجانبي يا سيد فوكس خيل لي أني رأيتك تحاول أن تنزع منها خاتمها الألماسي،
وعندما لم تستطع يا سيد فوكس، لقد بدا لي في حلمي أنك استللت سيفك وقطعت به يد الآنسة المسكينة لتحصل
على الخاتم.
- لكنه ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك، ومعاذ الله أن أفعل شيئا مثل ذلك.
وعندما همّ أن يتكلم مجددا وهو يقوم من كرسيه، صرخت الآنسة ماري قائلة: "لكن الأمر كذلك، ولقد كان كذلك، وهذه يد وخاتم يجب أن أريكم إياهما" وسحبت اليد المقطوعة من ثوبها، ووجهتها مباشرة إلى السيد فوكس.
وفي الحال استل أخواها وأصدقاؤها سيوفهم وقطعوا السيد فوكس إلى آلاف الأشلاء.

رؤيتك حول الحياة المعاصرة


طلب منا أن نكتب مقالا عن رؤيتنا حول الحياة المعاصرة، وقبل أن أشرع في ذلك قفز إلى مقدمة عقلي تساؤل شغل تفكيري لوهلة، هل يمكن للإنسان العادي أن يبني نظرة شاملة ودقيقة لهذه الحياة ذات الخيوط المتشابكة والمعقدة تعقيدا عظيما، حيث التقنية أرخت سدولها على العالم أجمع بأمواج من المخترعات والآلات، والتي غيرت من وجه الأرض بوتيرة سريعة تفقد المرء أنفاسه وتتركه لاهثا مذهولا، حيث المادة وحب السيطرة أنشبا رماحهما في قلوب الخلق فغدوا لا يبالون كم من الدماء ستذرف وكم من الأرواح ستزهق في سبيل ذلك؟ لا أدري حقا إن كانت الإجابة ممكنة، ولكن إليكم هذه الخطرات.
إن كان الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى يرى أنه من يعش ثمانين عاما من أعوام زمانه لا بد أن يمل ويسأم، فإني أرى أن زماننا أقفل على السأم والملل في إحدى زواياه المقفرة، فلو أنه لم يكن لنا من مخترعات هذا العصر إلا شبكة الإنترنت التي تربط بين المشرقين والمغربين ربطا سريعا لكفى، فكيف وإنسان هذا العصر أبحر في الفضاء وغدا يستقصي أخبار المجرات البعيدة، وما هذا إلا قطرة من غيث، فأنى للمرء أن يصاب بالملل وسط هذه المعمعة التي لا تهدأ أركانها، وفي كل يوم تخرج علينا بثوب جديد، حتى أمسى العالم مكتظا بأنواع شتى من المذاهب والنظريات والأفكار والمخترعات والتي تعرض علينا كل عشية وضحاها، وأصبح عقل الإنسان غابة متنوعة الأشجار ومتشابكة الأغصان.أن يكون الشخص آمنا في سربه، معافى في جسده، مكتفيا بقوت يومه أمر مثالي جميل، ولكن حياتنا المعاصرة لن تسمح للمرء أن يقتصر على ذلك، ليس لأن القناعة أضحت خلقا مرفوضا، بل لأن هناك عشرات الفواتير ينتظرها المرء في نهاية الشهر، ولأنك إن أردت بدء تجارة فعليك أن تمر بمراحل عديدة، وأن تجهز حزمة من الملفات والأوراق، ولأنك إن أردت الحج لن تسم باسم الله وتركب ناقتك وتنطلق، بل عليك أن تنال رضا وزارة الصحة والأوقاف والشرطة والبلديات، أصبحت الحياة معقدة، وما زادها تعقيدا هذا التغير والتطور السريع الهائل، فما من شيء في زماننا يألفه الفتى حتى تأتيه الأخبار من كل حدب وصوب أنه أضحى عتيقا باليا، ووسائل الإعلام لا تقل خطرا ومنزلة في تعقيد حياتنا، وقلب الموازين رأسا على عقب، حيث أضحى القاتل بطلا، والمنسلخ عن هويته وعن ذاته مجددا، والمدمر لتراث أمته إصلاحيا متقدما.