الاثنين، 9 مارس 2009

صراع الديكة (نشرت في أشرعة) قصة خيالية


والدي طبيب بيطري، يأتي إليه الناس من كافة القرى المجاورة ليعالج لهم حيواناتهم المريضة، ويقدم لهم الأدوية والإرشادات حول كيفية العناية بها، ولكثرة مشاهدتي له يعالج ويتعامل مع مختلف أنواع الحيوانات والطيور، بدأت تدريجيا أتملك مقدرة التواصل معها، بدأت أفهمها وأفهم احتياجاتها، وذلك استحوذ على تفكيري وشغل بالي، فلا تراني إلا هائما في أرجاء القرية ألاحق طيرا هنا، وأمعن النظر في شاة ترضع وليدها هناك. وفي يوم من الأيام استدرجتني ملاحقتي لحمار يترنح ترنحا غريبا إلى خارج القرية حيث المزارع والبساتين، ومن بعيد لاحظت في أحد تلك البساتين الذي يبدوا أنه قد هجر منذ فترة لموت وتهاوي نخيله لاحظت حركة غريبة كأن مجموعة من الأشياء تصطدم ببعضها، لم أستطع تمييزها لبعد المسافة ولوجود شباك البستان وبعض الشجيرات في مرمى بصري، فتركت الحمار لحال سبيله وتوجهت نحوها، وكلما اقتربت تكشفت لي بعض الحقائق، إنها كائنات، نعم، ولونها أحمر قرمزي، إنها طيور، ما نوعها؟ اقتربت أكثر... يا للعجب إنها معركة طاحنة بين أربعة من الديكة، هرولت حتى وصلت إلى البستان فتحت الباب بصعوبة واختبئت خلف إحدى أشجار النخيل، أمر لا يصدق، ثلاثة من الديكة يهاجمون ديكا آخرا، لا، إنهم لا يهاجمونه إنهم يحاولون الوصول إلى شيء خلفه لم أستطع تمييزه لوجود كومة كبيرة من أوراق شجر المانجو، والديك يمنعهم بكل ما أوتي من قوة، يهاجم ذا بمنقاره ويكر على ذلك بمخالب أصابع رجليه الصغيرتين، ويضرب وجه الثالث بجناحيه، والريش الأحمر يتطاير في ساحة المعركة، بدا أنه في حالة استنفار عام، بدا أنه سيبذل روحه رخيصة دفاعا عن ذلك الشيء، عقدت الدهشة كل مفاصلي، ولغرابة الموقف وشدة وطيس المعركة لم يرف لي جفن، ولم أقوى على الحراك، ولكن بعد فترة لاحظت أن الديك المهاجَم بدت قواه تخور، وقد أنهكه التعب، وهدت عزيمته الجراح، ولما ظننت أن المعركة قاربت على الانتهاء إذا به يجري نحو تلك الكومة ويمسك برجليه شوكة نخيل ملقاة على الأرض، طويلة وسميكة، ويقفز بها في الهواء نحو أحد مهاجميه، طاعنا صدره، وجاعلا منه الدماء تسيل، ودب الرعب في الديكين الآخرين، وأخذا يفران مطلقان صيحات هلع وخوف، والثالث خلفهما يجر رجليه، حتى اختفوا عن الأنظار، لحظة صمت طويلة، وبعدها سقط الديك على الأرض كما تسقط النخلة الشامخة، استجمعت قواي وركضت نحوه، حملته بين ذراعي، ما زال يتنفس، أردت الرجوع به إلى البيت ولكن تذكرت أنه كان يدافع عن شيء ما باستماتة لا نظير لها، نظرت خلف الكومة فإذا دجاجة ملقاة على الأرض ترتجف ارتجافا شديدا، حملتها هي الأخرى ورجعت بها إلى البيت، وطوال الطريق هاجمتني آلاف الأسئلة حتى ظننت أصبت بالصداع، وصلت إلى البيت وطلبت من أبي أن يعالجهم، وأخذ يسألني بفضول عما حدث، ولكنني خرجت بسرعة عائدا إلى نفس المكان باحثا عن أجوبة، وإلا إن رأسي سينفجر، ولما وصلت أخذت نفسا عميقا وركزت كل قواي العقلية، وبدأت بالبحث، لماذا يهاجم الديكة ديكا، أو بالأحرى ماذا يريدون من دجاجة مريضة؟ هل يريدون أكلها، أم الاعتداء عليها، لا، مستحيل، لا تفكر الديكة بخبث هكذا كما يفعل الإنسان، نقبت تلك الكومة وبحثت جيدا فوجدت الجواب، توجد تحتها كمية ليست بالكبيرة من الحبوب، ويبدوا أنها قديمة، إذن الجوع هو السبب، ولكن لماذا تهاجم بعضها بعضا؟، لماذا لا تخرج للبحث عن الطعام؟ تجولت في أنحاء المزرعة فوجدتها قد سورت بشباك كبير تعلوه شبكات ملئت مسامير وحديدا تمنع دخول اللصوص، وجدت في إحدى تلك المسامير جثة ديك حاول الطيران هاربا وفشل، اتضحت كل جوانب القصة، هجر أصحاب البستان بستانهم المسور بإحكام، وقد أغلقوا الباب خلفهم، تاركين هذه الطيور دون أن يطلقوا سراحها، وربما تركوا أيضا كمية من العلف تكفي دهرا، ولكنه مع مرور الزمن قل وأصبح نادرا، فأخذت الطيور تهاجم بعضها بعضا بوحشية هكذا، خرجت أجر قدمي، وقد تركت الباب مفتوحا على مصراعيه.

هناك تعليق واحد:

  1. القصة من أولى محاولاتي في الكتابة في هذا المجال، وكتبتها وأنا في السنة الثانية في الجامعة
    أنتظر انتقاداتكم وآرائكم

    ردحذف