السبت، 14 مارس 2009

الرحلة الزمردية إلى الديار الهندية - الجزء الأول


لأول مرة في حياتي دخلت مكتب السفريات ليلة السبت في الأسبوع قبل الأخير قبل بدء العام الدراسي 2003/2004م، ولأول مرة في حياتي أيضا، اشتريت، من حر مالي، تذاكر سفر إلى حيدرآباد - المدينة المشهورة بتاريخها الإسلامي العريق في الهند - لي ولأمي ولأختي الرضيعة، ولأنها أول مرة، ارتكبت خطئين، اتضح فيما بعد أنهما فادحان: اشتريت تذاكر رحلة يتوقف خط سيرها في بومباي لتغيير الطائرة، وتركت تاريخ العودة مفتوحا دون تحديد، وكان موعد الرحلة ليلة الثلاثاء القادمة من نفس الأسبوع، وفي صباح السبت التالي، ذهبت لجوازات القرم لأصدر جوازا لأختي الرضيعة، وبعد رحلة مخاض عسيرة بين المكاتب، قال لي الشرطي سيجهز جوازك يوم الاثنين، فأخبرته أن ذاك قبيل موعد سفري بفترة حرجة، "فما قصر" قال لي مر علي غدا وستجده جاهزا، وقبيل خروجي وجدت شرطيا آخر من نفس ولايتي يعمل هناك، فعرفته على نفسي، وأخبرته عن معاملتي، قال انتظر قليلا، "وما قصر أكثر وأكثر" دخل في إحدى المكاتب، وأصدر الجواز في الساعة، (هذه ليست واسطة بل مساعدة).

ثم ذهبت للسفارة الهندية في روي، لإصدار تأشيرة لي ولأختي، وصلت هناك في تمام الثانية عشرة، وذاك موعد الإغلاق، ورأيت الحارس يقفل الباب أمامي، فشرحت له ظرفي وطلبت منه باستجداء أن يدخل الجوازات إليهم في الداخل، وسآتي لاستلامها لاحقا، إلا أنه رفض أن يدخل معاملتي؛ لأنه لم يكن من نفس ولايتي بل من ولاية أخرى بعيدة، لذا رجعت وقد اقتنعت أن العيد لا يأتي في نفس اليوم مرتين، وعدت لمنزل صديق لي في الغبرة لأنام عنده، وفي صباح يوم الأحد، وقبل أن أتوجه للسفارة، ذهبت إلى مكتب مدير المعهد الذي كنت أدرس فيه، وكنت حينذاك في الصف الثاني الثانوي، لأخبره بأني سأتغيب عن الأسبوع الأول من الدراسة، "فما قصر هو الآخر"، وقال:"لا تطوّل أكثر من أسبوع" ـ"إن شاء الله، أستاذ، ولا يهمك"، ثم اتضح أنه هو الآخر ذاهب إلى روي لإنجاز معاملة في إحدى شركات التأمين، فأخذني معه. ونظام السفارة يقتضي أن تملأ استمارة طلب التأشيرة، ثم تسلمها مع الجوازات للموظف المسؤول لتأتي لاستلامها في فترة ما بعد الظهيرة، المشوار طويل من روي إلى الغبرة، ولكن "الحاجة مسودة وجه"، "واللهم لا اعتراض"، وكنت قد اتفقت مع المدير بأنه إذا اتفق وقت انتهائي مع وقت خروجه من الشركة فسنعود مع بعض، ولحسن حظي، قضي للوقتين أن يتفقا، ورجعنا إلى مقر المعهد في الغبرة، وكان المدرسون هناك يعدون العدة والعتاد للعام الجديد، تجولت بينهم قليلا ثم فورا للصلاة، وبعد خروجي من المسجد مصليا الظهر، وجدت أحد أصدقائي القدامى الذي غاب عن ناظري فترة طويلة من الزمن، فتعانقنا وتصافحنا وتبادلنا العلوم والأخبار، ومن أخباره أنه اشترى سيارة جديدة، ومن أخباري ما عرفتم، فعرض أن يأخذني للسفارة ويرجعني منها، وتسوق لك الأقدار خيرا وأنت لا تدري.

بعد التجوال الطويل، عدت إلى السويق، جهزنا متاعنا، واشترينا الحلوى العمانية، هدية لأخوالي في الهند، وبالطبع حولنا الريال العماني إلى روبية هندية، تمام التمام، كل شيء جاهز، هيا نركب الطائرة، ولكن قبل ذلك هناك ملاحظة: في طريقنا إلى المطار، أعطيت السائق شريط أناشيد "بديع الزمان" ليشغله لنا أثناء سيرنا، وذاك الشريط غدا دوما يثير شجوني عندما أستمع له بعد عودتي من الهند، لأنه ارتبط بذكريات مركبة: توديع والدي لنا؛ مرافقة إخوتي لنا في الطريق؛ وسعادة أمي؛ وأيضا نسي السائق أن يرجع الشريط إلي! وقد مضت ست سنوات تقريبا وما زلت أتمنى أن يعود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق