السبت، 18 يوليو 2009

حب الرسول صلى الله عليه وسلم

حب الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب على كل مؤمن صادق الإيمان، مطيع للرحمن، متبع للقرآن، وهذا الحب لا بد أن يتملك شغاف قلب المسلم حتى يسيطر على جميع نواياه وأقواله وأفعاله فتأتي مطابقة لسنة الحبيب المصطفى، سائرة على خطاها، مهتدية بهداها، مستنيرة بأنوار حكمتها، ولذا كان من الطبيعي أن يتصدى هذا المسلم لأية أذية يتعرض لها حبيبه ونور عينيه النبي المختار، وأن يتجشم عناء نصرته والدفاع عنه دفاعا مستميتا، ولكن السؤال يبقى كيف يتم ذلك؟ وما هي الطريق المثلى لتحقيق هذا الهدف السامي النبيل؟ وأي الطرق أشد فاعلية وأنجع تأثيرا وأعظم نتيجة؟ أهي الثورات والمظاهرات والحركات ، الانفعالية التي لم تتحرك إلا حين ضربت ضربة قصمت فقار ظهرها وحين تحركت كان تحركها فوضويا غير مدروسا ولا يتبع أي نظام ومنهجية، ثم لم يلبث أن خفت وإنطفأت ناره، وعاد كل فرد إلى حياته السقيمة التي يحياها، أم أن الطريقة المثلى هي الطريقة المنهجية المنظمة القائمة على العقل والفكر والحزم المستمدة أفكارها وخطواتها من القرآن والسنة، والمتحركة في خط مستقيم مستمر لا يعرف الكلل ولا الملل، ولا يستجيب لاستفزازات الآخرين وإهاناتهم، بل ويتحملها ويواصل طريقه دون أن يلتفت لنعيق ناعق، ولا لصوت حاقد مكابر، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحكمته في التعامل مع المشركين حين كان في مكة لنا أفضل درس وأبلغ عبرة، كان يأمر العبيد المعذبين الذين يفتنون في دينهم بالصبر والتحمل ولهم الجنة، وكان يشجع أصحابه لشراء هؤلاء العبيد وإعتاقهم ما أمكن، وكان يأمرهم بالصبر وانتظار أمر الله، لأن المسلمين كانوا في حال ضعف كما هو حالهم الآن، فكانت تلك هي الطريقة المثلى للتعامل مع مثل تلك المواقف، فضبط المسلم نفسه أولا ومراقبتها وتطويعها لتطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الخطوة الأولى للرد على مثل هذه الاستفزازت التي لا هدف لها سوى إشغالنا عن قضايانا المصيرية، ثم يتجه إلى أهله ومجتمعه الأقرب فالأقرب ينشر بينهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم ويدعوهم لنهج سيرته واتباع سنته، ثم فليعمل عقله ولسانه ويديه في خدمة حبيبه المصطفى بكل طاقته وبكل السبل المتاحة من دعوة أو كتابة في جرائد أو مواقع، ومن إقامة المحاضرات والندوات المنظمة، ولندع الظلمة في غيهم يسبرون، فسيأتيهم يوم فيه من عروشهم الوهمية يسقطون، وكما استبدل الله غيرهم بقوم ليسوا أمثالهم سيأتي دهر فيه يستبدلون .

الأربعاء، 8 يوليو 2009

من أكثر خيانة؟

الكل يخون، نعم الكل يخون
ولكن البعض يخون وهو يدري بخيانته ويعنيها
فالخيانة تسبح بحرية في دمائه
وهو يرعاها بكل ثقة ويربيها
والبعض لا يدري أو لا يريد أن يدري
بأنه من ثدي الخيانة يرضع
ثم بما رضعه منها يعود ويسقيها
بل تراه يبتاع مرهم الطهارة المزيف
ليخفي من جسده قروح الخيانة
ليخدع من حوله
وليته توقف وفكر
ليرى حقيقة من الذي يخدع
وعلى أية روح ستعود نار الخيانة
لتحرقها بلا رحمة وتشويها
هناك وهناك وأيضا هناك
أرى الخيانة مكشرة أنيابها
تترقب أن يؤتى لها بلحوم المخدوع
لتفريها بأسنانها، وتلوكها ثم ترميها
وتساءلت أيهم أكثر خيانة
من يتعمدها، أم من بطرق ملتوية يأتيها
أم من يشاهد كل ذلك ويدعي أنه لا يرى شيئا
لأن الله لم يعم عينيه فقط بل روحه وحواشيها

جريمة في قاعة الانتظار

أحمد السابعي

أوقف سالم سيارته في مواقف المؤسسة ودخل من الباب الزجاجي الدوار، وكان يزعج باله وقت الدخول مشهد سيارة الإسعاف التي لمحها قبل لحظات مغادرة بوابة المؤسسة، لكنه صرف ذلك من تفكيره فورا وتوجه نحو قاعة الانتظار وأخذ كرسيا بهدوء منتظرا دوره بكل أدب، لم يكن هناك أحد ينتظر، لا أحد، هكذا خيل له، لكنه بعد مرور ساعة من الزمن انتبه إلى وجود شخص آخر غيره قابعا في إحدى زاويا القاعة، كان ذاك الشخص غاضبا قد احمر وجهه من شدة الغضب، عاصرا ركبتيه بأصابع كفيه المنتفضتين، ينفث من مناخيره المتورمة هواء مسموما ويُخرج من بين أسنانه المصطكة فحيحا مزعجا، استغرب سالم كيف أنه لم ينتبه إلى وجود مثل هذه الآفة خلفه، ثم ما لبث ذاك الشخص أن بدأ يتأوه ويتأفف ويزمجر، ثم شرع يتمتم بكلمات غير مفهومة وهو يهز رأسه ذات اليمين وذات الشمال، ثم نهض من مقعده بقوة وكأن ظهره قد كان ملصقا بالكرسي بغراء شديد، وأخذ يضرب الأرض برجليه ويترنح كالمخبول في أرجاء قاعة الانتظار، ثم توجه إلى طاولة الاستقبال وخبطها خبطة عنيفة بيديه صارخا ومهددا ولاعنا، ولكن سالم بقي ينظر ولا يحرك ساكنا بل حتى لم يوجه لهذا الشخص نظرة عتاب، وتصرف وكأن الأمر لا يعنيه البتة.

استمر الرجل يكيل الضربات والركلات للطاولة المسكينة، حاول أن يتسلق الطاولة ليصل إلى الجانب الآخر، ولكن حال ارتفاع الطاولة وسطحها الزلق وعرج في رجله اليمنى دون تحقيق غايته، لم يكن هناك منفذ آخر إلى ما خلف الطاولة من قاعة الانتظار، أجال الشخص نظره في الجدران الأربعة متفحصا وقرر فجأة أن يخرج من القاعة، غاب لدقائق بسيطة ثم عاد في حالة أسوأ من قبل، يلهث لهاث الكلب المسعور ومقلتاه بارزتان خارج محجريهما، مليئتان بالدمع الأحمر، وبأصابع يديه المعقوفتين أخذ ينهش الطاولة بهستيرية مسببا صوتا حادا لعينا يغرز في أعماق النفس شعورا يشبه طعن رؤوس السكاكين، هنا لم يستطع سالم أن يحتمل الوضع وغمرته موجة عارمة من الضيق وعدم الارتياح وأطلق زفرة مفادها "متى يسلموني أوراقي ويفكوني من هذا المخبول"، ثم هدأ الرجل هدوء ما قبل العاصفة ليخر إلى الأرض على يديه وركبتيه، وما لبث حتى أخذ يشهق شهيق المقبل على الموت وانخرط في زوبعة من الصيحات الممزوجة ببكاء شبيه ببكاء الطفل عند فقدانه للعبته المفضلة، وأخذ يصفع وجهه بكفيه ثم ينهشه بأظفاره حتى سال الدم على خديه، هنا فقط وقف سالم منتصبا وبيده اليمنى ملوحا إياها في الهواء صرخ ناحية الرجل: كفى يا هذا، قلت كفى.

وهن صوت صياح الرجل وهدأت حركة صدره الترددية قليلا، ثم أخذ يلتفت ببطء ناحية سالم، وحينما أضحى مقابلا إياه رفع وجهه ونظر إليه بعينين عميقتين لا غور لهما مليئتين بشتى المعاني المتناقضة، يدوران في محجريهما يبعثان الرغبة في التقيؤ واستقرا في مقلتي سالم، وكأن موجة أثيرية عظيمة انطلقت من تلك العينين لتخترقا قلبه وتلقياه على كرسيه مذهولا، غاب وعيه عن العالم الخارجي ولم يدر كم مضى من الوقت، وعندما انتبه لم يجد الرجل في مكانه، ركض ناحية الباب وأخذ يبحث عنه ولكنه لم يجد له أثرا، ثارت الشكوك في نفسه توجه نحو البوابة الرئيسية، وسأل الحارس إذا ما رأى رجلا في حالة يرثى لها يخرج قبل قليل، فرد عليه الحارس بالنفي، حك رأسه مستغربا ثم سأل الحارس إذا ما خرجت سيارة إسعاف قبل قليل، تبسم الحارس وقال لم تدخل سيارة إسعاف إلى هذه المؤسسة منذ أن بدأت بالعمل هنا قبل عشر سنوات، أوجس سالم في نفسه خيفة، حاول أن يقنع نفسه بأن ذاك كان حلما فظيعا إلا أن الريبة والارتباك بدأ يأكلانه من الداخل كما تأكل النار الهشيم، أراد الخروج والفرار بجلده، ولكن الأوراق مهمة، نعم مهمة لا يمكن أن يرجع وقد وصل إلى هذه المرحلة، وعاد ليقبع في إحدى زوايا القاعة مهدودا، وكان يضغط بأصابعه على ركبتيه عندما دخل صالح إلى قاعة الانتظار غير منتبها كالعادة.

قصة خيالية